لأن إنقاذ القدس كان عنوان القمة العربية الثانية والعشرين التي أنهت أعمالها في مدينة سرت الليبية، كان الطرح مغايراً في تلك القمة. فالـ500 مليون دولار التي رصدت لإنقاذ المدينة المقدسة من براثن الاحتلال، لا تشكل إلا نسبة ضئيلة فيما رصدته إسرائيل لتهويد المدينة وتهجير سكانها الأصليين، وهي الدولة المارقة والمحتلة للأرض والكاتمة على أنفاس أبنائها عبر قوانين وضعتها لنفسها وتطبقها بعيداً عن أحكام القانون الدولي الذي مازال يعتبر مدينة القدس محتلة.
ما طرح في القمة من مشروعات اعتبر تحولاً تاريخياً في صيرورة المنظمة العربية التي احتضنت العمل العربي المشترك منذ تأسيسها في عام 1945 وانعقاد 33 اجتماع قمة فضلاً عن قمة اقتصادية واحدة.
فلأول مرة طرح في القمة مشروع توسيع الجامعة العربية باتجاه دول الجوار العربي، وهو مشروع الحلم لدى الأمين العام للجامعة عمرو موسى للخروج من القوقعة العربية باتجاه الآخر الذي يشارك العرب همومهم المشتركة أو الإقليمية يضم تركيا وإيران شرط نجاح الحوار معها فضلاً عن السنغال وغينيا ومالي والنيجر وتشاد وإريتريا وكينيا وأوغندا وإسبانيا والبرتغال وفرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص ومالطا، واستثنى مشروع موسى بالطبع إسرائيل التي لا مكان لها في هذا التجمع باعتبارها دولة عدوانية لا تحترم القانون الدولي وترفض إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس.
وقد حاول الزعماء العرب التعبير عن الرغبة بالتغيير فمن مشروع "رابطة الجوار العربي" الذي قوبل بتحفظ مصري على انضمام إيران وبالتالي الإجهاز عليه قبل أن يرى النور، إلى "اتحاد الدول العربية" لمواكبة المتغيرات الإقليمية والدولية من وجهة نظر يمنية، بقيت الجامعة العربية تراوح مكانها، خاصة أن نظامها الداخلي الثابت، لا يسمح لأي تطور أن يأخذ مساره إلى التحقيق طالما أن القرارات تؤخذ بالإجماع، وهو ما شدد على إلغائه الرئيس الليبي معمر القذافي.
مرت 64 سنة منذ قمة أنشاص في مصر وانعقاد قمة سرت الأخيرة، والوضع العربي في تراجع دراماتيكي، فلا استطاع القادة طوال تلك السنين تنفيذ مقررات القمم العربية التي كانت تتعلق أساساً بالقضية الفلسطينية أو بتداعياتها، ليس لقصور في تلك القرارات، وإنما لغياب آليات تنفيذية من شأنها متابعة المقررات والتوصيات، بعد أن تحولت الجامعة إلى مجموعة من السفراء والموظفين، ولم يعد هم المسؤولين فيها سوى زيادة ميزانيتها لتأمين استمرار دفع المرتبات والمخصصات.
33 قمة عربية عادية وطارئة عقدتها الجامعة العربية، وقمة اقتصادية يتيمة منذ تأسيسها، وكأن ما تعانيه الدول العربية على الصعد الاقتصادية لا يستحق البحث لتبسيط القضايا الاقتصادية التي تهم العرب، إذا كان هناك عجز في حل القضايا السياسية.
ولنا في هذا المجال عبرة من التجربة الأوروبية التي استطاعت أن توحد نفسها اقتصادياً وحدودياً ضمن الاتحاد الأوروبي ودول شنجين.
المطلوب عربياً، القليل من القرارات والكثير من المتابعة وإن كان ذلك فقط على الصعيد الاقتصادي.
الوطن السعودية




















