في ظاهر الكلام وجه الرئيس السوري بشار الاسد اكثر من رسالة ايجابية تجاه لبنان خلال حديثه المتلفز الاربعاء الماضي، وكان طابعه انفتاحيا، متسامحا، حريصا على "الاخوة" الشائكة بين البلدين "الشقيقين" رغما عنهما.
لكن الواقع ان ثمة تناقضات لم يرد كثيرون ان يتنبهوا لها. سواء من حلفاء دمشق الدائمين الذين لا يرون الاشياء على حقيقتها، او ربما لا يريدون وضوح الرؤية ولا يطلبونها، وربما، وهو الاصح، انهم لا يجرأون على ذلك. ام من حلفاء دمشق الجدد الذين ندم بعضهم على مرحلة سابقة، ويحاول البعض الآخر التفتيش عن الايجابيات سعيا الى تمتين علاقة مبتدئة، باقتناع داخلي او بارادة خارجية، لا فرق ما دامت النتيجة واحدة.
في التناقضات التي من الواجب التوقف عندها، بل لنقل ابرزها الآتي:
– شدد الرئيس الاسد على عدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية الا ان الملف اللبناني استأثر بمعظم الوقت. ولا يمكننا القول ان مقدم البرنامج تمكن من الذهاب بالحوار الى حيث يريد، فما هكذا تتم المقابلات مع رؤساء الدول بل تحضر بدقة متناهية.
– قال انه هو من طرح موضوع قيام السفارتين في بيروت ودمشق في العام 2005، والواقع انه مطلب تاريخي للبنان ولم يتحقق الا في لحظة التحول السياسي الدولي والاقليمي والذي لم يكن مؤاتيا لنظام دمشق.
– تحدث الرئيس السوري عن "بازار المحاكم الدولية الذي فقد وهجه" بينما اكد مرارا اصراره على معرفة الحقيقة وتبرئة سوريا في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، ولم يطلعنا على كيفية بلوغ هذه الحقيقة اذا كانت سوريا لا تتعاون مع التحقيق، ولم تبادر الى البحث عن حقيقة ما جرى عندما وقعت جريمة وجرائم في عهد وصايتها وسيطرتها على البلاد.
– تحدث بايجابية عن النائب وليد جنبلاط لكنه ترك امر استقباله وتحديد موعد الزيارة الى السيد حسن نصرالله ولاحظ ان جنبلاط "قال المضمون الذي نريده". فماذا بعد وهل صحيح "ان سوريا لا تبحث عن اعتذار وليست لدينا عقدة القوة"؟
– في موضوع مزارع شبعا كان الرئيس السوري ايجابيا وسلبيا في الوقت عينه اذ انه لا يملك صك ملكية الارض لكنه يرفض البدء بترسيم الحدود من الجنوب، ويفضل البدء من الشمال، فلا تصل العملية الى المزارع قبل اعوام، هذا اذا تمكنت الفرق المكلفة من المسح والترسيم في المنطقة.
– قال الرئيس الاسد ان سوريا تدعم الرئيس سليمان وهذا ايجابي. لكن "بالقدر نفسه الذي دعمنا به الرئيسين السابقين الياس الهراوي واميل لحود"، فهذا غير ايجابي على الاطلاق، اذ تحول الدعم في مراحل عدة خناقا على رقبتي الرئيسين لم يتمكنا في ظله من اتخاذ اي قرار قبل نيل الموافقة والرضى السوريين.
لا نريد ان نعادي سوريا لهواية في العداوة، ولا نعترض على كلام لرغبة في الاعتراض، لكننا ننتقد لتحسين تلك العلاقة وجعلها "شقيقة واخوية" من باب التعاون الحقيقي البناء، والشفافية، والندية، ولا اعلم لماذا صاروا يخافون تلك الكلمة، فسوريا لا تتعامل مع دول العالم الا بالندية، فهل يجوز لها ما لا يجوز لغيرها؟
"النهار"




















