( بروفيسور محاضر في العلوم السياسية بجامعة بار إيلان، وخبير في العلاقات الأميركية-الإسرائيلية)
دخل باراك أوباما التاريخ بمجرد انتخابه أول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة، ونجاحه في تمرير الإصلاح الصحي للمرة الأولى. فهو انتُخب على أساس وعوده بتغيير النظام العالمي أيضا، ولا سيما النظام في الشرق الأوسط، وهو راغب في دخول التاريخ أيضا باعتباره دفع وحقق الحل الشامل للنزاع العربي-الإسرائيلي. لكن الإشكالية تكمن في أنه يعتبر نتنياهو وحكومته العنصر الأساسي الذي يعيق مبادراته وخططه.
كان يُفترض أن يكون آذار 2010 شهر المصالحة وإصلاح سوء التفاهم والأعطاب التي أصابت العلاقات الأميركية-الإسرائيلية. فزيارة نائب الرئيس الأميركي جون بادين، لإسرائيل والزيارة التي تلتها لرئيس الحكومة نتنياهو إلى واشنطن، خطط لها بدقة وعناية لتحقيق الأهداف المذكورة أعلاه. لكن بدل أن يحصل ذلك، كشفت الزيارتان الخلافات العميقة في الرأي التي أشك في إمكانية نجاح الطرفين بالتغلب عليها.
ظهور كل من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ورئيس الحكومة نتنياهو أمام مؤتمر إيباك، الذي أبرز وجهات النظر المتناقضة إزاء البناء في القدس؛ لقاء نتنياهو وبايدن الذي وُصف بأنه " صريح"، أي مشحون بالخلافات في الرأي؛ واللقاء مع أوباما الذي وُصف بأنه " خاص"، وحُجب عن التغطية الإعلامية بطريقة خارجة عن المألوف بحيث انه لم يتم حتى تصويره، كل هذه الأمور تدل على صعوبات وعلى علاقات متعكرة. اللقاء الوحيد الذي كان وديا، جرى بين نتنياهو ونانسي بلوسي، رئيسة الكونغرس. فالكونغرس يؤيد إسرائيل ويعكس التأييد الواسع للرأي العام الأميركي لسياستها. وقد سبق للكونغرس أن وبخ أوباما على تعامله مع إسرائيل عبر الرسالة التي بعث بها 71 عضوا من أعضائه من الحزبين في آب 2009.
الإعلانات عن خطط البناء الإسرائيلية في رامات شلومو أشعلت الأزمة، لكن الولايات المتحدة فاقمتها. واسباب مفاقمة هذه الأزمة انكشفت من خلال تصريحات كبار موظفي الإدارة الأميركية. فإدارة أوباما، التي لا تطيق نتنياهو ولا تثق به، أرادت استغلال الأزمة من أجل تغيير شروط دخول الفلسطينيين إلى محادثات التقارب ولإظهار الولايات المتحدة كمن قادرة على ممارسة الضغط على إسرائيل وتغيير سياستها.
مع استلام أوباما مقاليد الحكم، طلب استئناف المفاوضات فورا بين إسرائيل وبين الفلسطينيين، وحدد جدولا زمنيا من سنتين حتى ثلاث سنوات لتحقيق حل، ولإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفقا للمنظومة السياسية الأميركية وليس وفقا للظروف في المنطقة. لقد أراد أوباما تحقيق إنجاز تاريخي إضافي في الوقت الذي يُفترض به البدء في معركته الانتخابية لفترة ولايته الثانية. مثل هذا الانجاز يمكنه أن يُحسن فرص فوزه في الانتخابات القادمة.
خطوات جوهرية من نتنياهو
بغية إتاحة المجال لاستئناف المفاوضات، طرح أوباما مطالب تتضمن تغييرات وتنازلات من قادة إسرائيل، من الفلسطينيين ومن الدول العربية المؤيدة للولايات المتحدة. لكن الزعيم الوحيد الذي استجاب للمطالب، وإن بصورة جزئية ومتحفظة، كان نتنياهو، الذي قبل بفكرة الدولتين وأعلن عن تجميد البناء في المستوطنات. في المقابل، رفض الزعماء العرب كل مطالب أوباما لتقديم بادرات طيبة لإسرائيل، ورفضت السلطة الفلسطينية استئناف المفاوضات. على الرغم من ذلك، كان نتنياهو الوحيد الذي حظي بانتقاد شديد من جانب الإدارة الأميركية.
وقد استمر الانتقاد حتى بعد أن بعث نتنياهو إلى هيلاري كلينتون، قبيل زيارته إلى واشنطن ومن أجل إنهاء الأزمة، رسالة أعلن فيها مجددا عن قبوله الجزئي بمطالب أميركية لاستئناف المفاوضات. فقط طلب الأميركيون إلغاء خطة البناء في رامات شلومو، الإفراج عن أسرى فتح، رفع المزيد من القيود عن التحرك في الضفة الغربية، واستعدادا إسرائيليا للبحث في مواضيع اللباب خلال محادثات التقارب وليس فقط في المحادثات المباشرة كما أراد نتنياهو.
منذ دخول أوباما إلى البيت الأبيض، ترفض السلطة الفلسطينية استئناف المفاوضات مع إسرائيل وتضع شروطا مسبقة. ومن جملة الأمور، طلبت السلطة وقف البناء في كل أراضي الضفة الغربية والقدس، ومواصلة المفاوضات من المكان نفسه الذي توقفت فيه مع حكومة أولمرت.
إلى ما قبل عام، لم يشكل البناء في الضفة الغربية والقدس عائقا أمام أبو مازن لإدارة مفاوضات مكثفة مع حكومة أولمرت. لكن الطلب الأميركي بالوقف التام للبناء هو الذي أدى إلى تشدد الموقف الفلسطيني، وحتى عندما أعلن نتنياهو عن التجميد المؤقت في الضفة الغربية، وعلى الرغم من الترحيب الأميركي بهذه الخطوة، تمسكت السلطة الفلسطينية برفضها وطلبت من الولايات المتحدة عدم المساومة على موقفها الأولي.
أوباما يدفع المواقف الفلسطينية إلى التشدد
لقد حققت سياسة أوباما نتيجة معاكسة بالضبط. فالهدف كان استئناف المفاوضات، لكن النتيجة كانت تشدد الموقف الفلسطيني وغياب المفاوضات.
الجنرال ديفيد بتراوس، قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، قال أمام الكونغرس ان الدول العربية المؤيدة للولايات المتحدة تفقد الثقة بها لأنها غير قادرة على إحضار إسرائيل لطاولة المفاوضات مع الفلسطينيين، وأن غياب المفاوضات وحل النزاع يضع صعوبات أمامها للوقوف إلى جانب الولايات المتحدة في مسعاها لوقف السباق النووي الإيراني. وأضاف أن غياب الحل يتيح للمنظمات الارهابية الإسلامية المتطرفة ايضا تجنيد ناشطين ومؤيدين لها، وبذلك تكون سياسة إسرائيل تعرض للخطر حياة الجنود الأميركيين. هذه الأقوال الخطيرة، التي من شأنها المس بتأييد الجمهور الأميركي لإسرائيل، اقتبستها محافل في الإدارة الأميركية، على الرغم من أنه لا أساس لها من الصحة ابدا.
لقد انتقد نتنياهو هذه الأقوال بشدة خلال الخطاب الذي ألقاه أمام أعضاء ايباك، واوضح أن الوضع معاكس بالضبط، وأن إسرائيل تساعد الولايات المتحدة في المجال الاستخباري، وفي مجال السلاح والقتال، وأن هذه المساعدة تنقذ حياة جنود أميركيين.
بالفعل، لقد تآكلت صدقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط خلال عهد أوباما. هذه الخسارة لا ترتبط أبدا بإسرائيل ولا بالمفاوضات مع الفلسطينيين. فهي بدأت تحديدا في خطاب المصالحة التاريخي الذي ألقاه أوباما في جامعة القاهرة، والذي حقق نتائج عكسية: فدول عربية وإسلامية، صديقة ومعادية، رأت فيه مظاهر ضعف.
لقد تضررت مصداقية اوباما اكثر في أعقاب الفجوة التي اتسعت وتعاظمت بعد تصريحاته حول عزم وتصميم الولايات المتحدة على منع إيران امتلاك السلاح النووي، والفشل المتواصل لتحقيق هذا الهدف. ولا توجد أية صلة بين المنظمات الارهابية الاسلامية، وبين وضع المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية. فالقاعدة، طالبان، والسنة في العراق يحاربون الولايات المتحدة لأنهم يعتبرون أن قيمها وثقافتها تشكل خطرا على الاسلام، وبسبب الاحتلال العسكري الأميركي المتواصل للعراق وأفغانستان.
يمكن لسياسة أوباما أن تنجح على المدى القصير فقط. أما على المدى البعيد، فستفضي إلى نتائج معاكسة كما حصل في جميع الحالات السابقة. فمنذ اجيال يحلم الفلسطينيون والعرب بأن تقوم الولايات المتحدة بأداء العمل نيابة عنهم، أي الضغط على إسرائيل لقبول شروطهم للتسوية من دون أن يقوموا بأية تنازلات ضرورية من جانبهم. الأزمة الأخيرة تصب في مصلحتهم، وستزيد من تشدد مواقفهم، ومن شأنها إفشال فرص التوصل إلى تسوية سلام.
("يديعوت أحرونوت" 26/3/2010)
ترجمة: عباس اسماعيل
"المستقبل"




















