تثير تصريحات مسؤولين فلسطينيين كبار بشأن ترتيبات إعلان الدولة الفلسطينية الاستغراب والحيرة، في ظل استمرار السلطات الإسرائيلية في مشاريعها الاستيطانية، وكذلك تواصل عمليات الهدم المنظم لمنازل الفلسطينيين في القدس الشرقية وغيرها. ولم يعد مفهوما لماذا يرهن الفلسطينيون مستقبل قضيتهم ويعلقون آمالهم على رد ستنقله واشنطن من إسرائيل بشأن استئناف عملية التفاوض. كما أنه لم يعد مفهوما أصلا ماذا ينتظر الفلسطينيون لإعلان الدولة من طرف واحد؟ ألم يجدوا ضوءا أخضر من الاتحاد الأوروبي الذي أعلنها صراحة وفي أكثر من مرة أنه ضاق ذرعا بتصرفات تل أبيب وأنه مستعد للاعتراف بالدولة الفلسطينية الوليدة.
ما يجري من قبل عصابات المستوطنين في الضفة الغربية من تعديات طالت السكان الفلسطينيين وممتلكاتهم وبحماية من سلطات الاحتلال، يتناقض كليا مع التزامات الوسيط الأميركي ومع تعهدات الدولة العبرية التي قطعتها على نفسها أمام المجتمع الدولي والمنصوص عليها في العديد من الاتفاقيات.
إن التناقض القائم بين تطلعات رعاة السلام واستمرار خطط الاستيطان، تدعو حقيقة للتشكيك في صدق نوايا الوسطاء، بل وفي قدرتهم على فعل شيء ملموس، حيث إنهم لم يقدموا للفلسطينيين حتى الآن أكثر من وعود براقة ليس لها أي انعكاس على أرض الواقع. وتقول حقائق المشهد الماثل الآن إن إسرائيل ما كانت لتجرؤ على الإعلان عن توسيع البؤر الاستيطانية إذا لم تكن واثقة من قوة أذرع ضغطها على دوائر صنع القرار في أميركا.
لقد نجحت إسرائيل في استثمار هوة الخلافات المتسعة بين حركتي فتح وحماس وحالة التشرذم والاستقطاب الحاد التي تسود فئات الشارع الفلسطيني. ويبدو ذلك جليا في مراوغتها المستمرة وتمكنها من الإبقاء على حالة الجمود الراهن لصرف الأنظار عن جرائمها وأطماعها التي ليس لها سقف ولن تنتهي إلا بابتلاع كافة الأراضي المحتلة وطرد آخر فلسطيني منها. وليس أدل على ذلك من تنصلها المستمر من العملية السلمية، حيث إن مفاوضات السلام ما تزال متوقفة منذ أكثر من عام رغم الجهود الدولية لاستئنافها.
إن المطلوب من شرائح الشعب الفلسطيني وكافة أطيافه تحمل مسؤولياتها السياسية والأخلاقية والسعي المخلص لرتق الفتوق التي أصابت النسيج الوطني. كما أن المطلوب أيضا العمل على تحقيق وحدة الفلسطينيين، لمواجهة عدوهم المشترك متضامنين ومن ثم رفض هذا الوضع الشاذ الذي يسود كافة الأراضي الفلسطينية والذي لا تعرف له نهاية والمتمثل في الحصار وعمليات الهدم والمصادرة والانتهاكات المتواصلة ضد الإنسان والمقدسات والأرض.
الوطن



















