في السادس من شهر آذار 2010، أُدخل الرئيس المصري مبارك الى مستشفى هيدلبرغ في برلين. وذكر بيان رسمي أنه أُخضع لعملية اسئصال للمرارة. وبعد ثلاثة أسابيع عاد الى مصر ولكن لم تتوقف الشائعات حول الوضع الصحي للرئيس المصري إبن الثانية والثمانين، مما أحيا من جديد مشكلة الوراثة. يجري هذا كله في الوقت الذي تشهد فيه الساحة السياسية المصرية غلياناً قبل موعد انتخابات مجلس الشعب، والإنتخابات الرئاسية المنتظرة في صيف 2011.
خلال الأعوام الأخيرة، كان جمال مبارك الشخصية الأكثر نفوذاً في الحزب الحاكم، باستثناء رئيس الجمهورية- والده. وقد ساهمت الأفكار التي قدمها جمال مبارك كرئيس "للجنة السياسية العليا" للحزب الحاكم، الى جانب تصريحاته العلنية، والتغطية الواسعة التي حظي بها لدى وسائل الإعلام التي نصفها رسمي، في ترويج صورته كرجل إصلاحي يسعى الى التغيير الشامل في بلده.
ينتمي مبارك الإبن الى النخبة الاقتصادية في بلاده، ولا شك في النفوذ الذي يملكه داخل الحزب الوطني الديموقراطي. ولكنه من جهة أخرى لا علاقة له بمراكز القوة في الأجهزة الأمنية، والاستخبارية، والأمن الداخلي، التي لها وظيفة كبرى وعميقة في النظام المصري. وقد نجح حسني مبارك في السيطرة على مراكز القوة هذه، وقد يكون عدم خبرة جمال مبارك في هذا المجال مشكلة بالنسبة له.
إن معارضة توريث حسني مبارك السلطة لإبنه معارضة واسعة، ولكن معسكرها يعاني من الانقسام، ويجد صعوبة في ايجاد مرشح يمثلها. وعلى الرغم من تقديم الدكتور محمد البرادعي رئيس اللجنة الدولية لمراقبة الطاقة النووية السابق، والحائز على جائزة نوبل للسلام، ترشيحه كمستقل لمنصب الرئاسة ومطالبته بتعديل الدستور كي يحظى بتأييد الكثيرين، فإن حظوظ حدوث ذلك غير واقعية.
ومنذ بداية 2010 طرأت تغييرات على قيادة حركة الاخوان المسلمين كان لها انعكاساتها البارزة على الحياة السياسية. فالاصلاحيون الذين قادوا الحركة ونجحوا في تحقيق الانجاز التاريخي في إنتخابات 2005 في البرلمان المصري، جرى استبعادهم عن مراكز القوى. وانتقلت الزعامة الى أيدي معسكر المحافظين الذين يؤيدون تقليص مشاركة الحركة في الحياة السياسية. وهذا التغير الأساسي في حركات المعارضة، سهل كثيراً على القادة السياسيين السيطرة على الحياة السياسية المصرية.
وتشغل قضية الوراثة أيضاً، قادة أجهزة السلطة المصرية. ويبدو موقف الرئيس مبارك حساساً للغاية، إذ يجد نفسه أمام ثلاثة احتمالات: الأول: تقديم موعد الإنتخابات الرئاسية، والاعلان عن استقالته المبكرة، ودعوة الأحزاب الى المشاركة في انتخابات رئاسية "ديمقراطية". الأمر الذي سيجعل جمال مبارك مرشح الحزب الحاكم. ولكن على الرغم من ذلك فإن هذا يتطلب حصول حسني مبارك على تأييد كبار القادة العسكريين والمسؤولين عن المخابرات وعن الأمن الداخلي، ومتابعته عن كثب لعملية انتقال السلطة. باستطاعة حسني مبارك الحصول على هذا التأييد، ولكن امتناعه طوال أعوام عن القيام بذلك، يدل على المخاطر الكامنة فيه. الاحتمال الثاني هو اجراء انتخابات في موعدها، واعلان مبارك لدى اقتراب موعدها عن تأييده لمرشح جديد للحزب الوطني الديموقراطي. اما الاحتمال الثالث فهو ترشيح حسني مبارك نفسه لولاية سادسة.
وتنبغي الاشارة الى أنه خلال ثلاثين عاماً، امتاز حكم حسني مبارك لدى اتخاذ القرارات بالحذر الشديد و بالامتناع عن المخاطرة. كما بادر الى ادخال تعديلات على بنود الدستور تعطي مرشح الحزب الحاكم تفوقاً كبيراً، وتعرقل حظوظ أحزاب المعارضة في تقديم مرشح عنها. إن التحدي الذي يواجهه حسني مبارك في موضوع "الوريث" هو الحصول على تأييد كبار المسؤولين عن الأجهزة الأمنية للمرشح الذي يرغب به. ومن المحتمل أن يكون سبب امتناعه عن إعلان تأييده لترشيح جمال مبارك هم عدم ثقته بموقف كبار المسؤولين الأمنيين. في مثل هذا الوضع من الواضح الخطأ الذي قد يرتكبه مبارك في حال قرر الترشح لولاية جديدة.
ثمة احتمال آخر قد يبرز في حال حدوث تدهور خطير في الحالة الصحية للرئيس أو في حال وفاته. ففي مثل هذا الوضع سيقوم رؤساء السلطة والأجهزة الأمنية بتقديم مرشح يتفقون عليه( يظهر لاحقاً بصفته مرشحاً عن الحزب الوطني الديموقراطي). حينها ستتقلص حظوظ جمال مبارك في أن يكون مرشح الحزب الحاكم، ومن المحتمل أن يقوم هؤلاء بترشيح آخر من جانبهم ذي ماض عسكري بارز.
يُسنتج مما سبق، أنه على الرغم من الرياح التي تهب على معسكر المعارضة، فإن قواعد اللعبة السياسية لم تتغير، وبالتالي فإن حظوظ مرشح المعارضة في الوصول الى القصر الرئاسي تبقى غير واقعية. وستظل مصر تلتزم في سياستها العامة بخط "الانفتاح"، الأمر الذي سيثير الكثير من الارتياح في واشنطن، وفي القدس، ورام الله.
في نهاية العهد الرئاسي الطويل لحسني مبارك، يمكننا أن نشاهد الانجازات التي حققتها سياسته، وفي الوقت عينه يمكن أن نرى التحديات الكبيرة الداخلية والخارجية في انتظار من سيصل الى قصر الرئاسة. صحيح أن مؤسسات السلطة والأجهزة الأمنية ستؤمن الأمن والنظام في مصر، لكنها من ناحية أخرى لا تحظى بتأييد واسع لدى الجمهور. فالظروف الحياتية لملايين المصريين آخذة في التدهور، وتزداد الانتقادات المواجهة الى السلطة. إن المطالبة بتغيير شامل وسريع لقواعد اللعبة السياسية هو مطلب قطاعات مختلفة في المجتمع المصري، ولا يمكن الاستجابة لهذا المطلب على الدوام من خلال الكلام على الديموقراطية، والاستمرار في قمع معسكر المعارضة.
(•) جزء من دراسة أطول بعنوان: "مصر سياسة لجم الاضطرابات"، صادرة في كتاب: "تقديرات إسرائيل الاستراتيجية -2010" عن معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب.
"النهار"



















