في الوقت الذي أظهرت فيه كل الأحزاب والفعاليات السياسية في العراق تأييدها للمبادرة السعودية إضافة إلى الترحيب العربي الواسع بها، فاجأ رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، والذي يرأس قائمة دولة القانون الجميع برفضه دعوة الرياض، مبرراً ذلك بأن القادة السياسيين اتفقوا أن تحل أزمة تأليف الحكومة داخل العراق.
أكثر من علامة تعجب ومثلها من علامات الاستفهام يثيرها تعنت المالكي الذي يأتي في ظل ظرف سياسي وأمني يعيشه أهلنا في العراق وهذا الأمر لا يخفى على أحد إلا من ظن أنه قادر على إخفاء شمس الظهيرة بمناخيل الوهم.
ما سماه نوري المالكي اعتذاراً عن قبول المبادرة السعودية هو في أحد وجوهه إحباط لتوافق عربي من أجل إنقاذ العراق، من خلال جمع أطيافه على طاولة حوار محايدة، هدفها البحث عن حل يعيد الاستقرار المفقود، وما حدث في اليومين الماضيين في كنيسة سيدة النجاة في بغداد أبلغ دليل على هشاشة الوضع الداخلي وتداخله.
وتمكن أصحاب الأجندات الخاصة ورعاة الإرهاب من الواقع الميداني، ويزيد الطين بلة العجز المخزي الذي يظهر عليه المشهد العام على خلفية صراع تشكيل الحكومة الذي دخل خانة الأرقام القياسية العالمية، وهذه النتيجة هي التي أعطت المبادرة السعودية زخمها ورحب بها كرد العراق مع عربهم، باستثناء زعيم «دولة القانون» الذي صحا فجأة على أن «الحل يكمن في الداخل»، ولا ندري أين نضع الماراثون الذي مارسه المالكي وآخرون في اتجاه أكثر من عاصمة عربية وإقليمية بحثاً عن دعم خارجي.
لا ندري لصالح من يتم تفويت سانحة جمع العراقيين دون تمييز بين طوائفهم وتوجهاتهم، ووفقاً لأي منطق يتم الركون لهذه الفوضى الطامة والسعي لطمس أفق أمل قد يسهم في رتق الجرح النازف على جوانب دجلة والفرات، وهذا التمادي في المراهنة على الدماء والأشلاء التي تتناثر في كل الأنحاء إلى متى سيستمر.
ومن الناجي إذا ما تواصل هذا الدمار ومضت آلة الموت في حصد الأنفاس دون هوادة ولا تصنيف ودون اعتبار لمستقبل غامض مجهول لا هوية له ولا تعريف، غير المزيد من التشظي والمزيد من أرتال الضحايا، إذا لم تنتبه الضمائر وتغلب مصلحة الوطن على ما سواها.