3 –
افتتحت السنة الجديدة بمقال يشبه مقالات افتتاحيات السنوات السابقة على طريقة
– كلما جاءت سنة لعنت أختها – وما كتبته عن حال مصر ما يلي :
(في ظل العولمة تعجز دولة ذات تاريخ عريق مثل مصر أن تجد بديلا لرئيسها او ابنه , وكأن نساء مصر عقمت عن ان تلد حرا يخلف آل ميارك في الحكم , والحقيقة أن القطط السمان في الحزب الحاكم تأبى أن تتنازل عن إدارة الدولة وما يدر لها من نهب وجاه ونفوذ. حتى ولو أدى الأمر بأبناء مصر ان يناموا جميعا في المقابر . )
لم يكن بحسباني ان هذه السنة ستكون مختلفة عن السنوات السابقة , وسينكسر فيها حاجز الخوف في مصر تحديدا , وها هي العولمة بما قدمّت من وسائل اتصال حديثة تساعد شباب مصر لكي يصنعوا ثورة نأمل منها ان تنقل المنطقة من الوجه السلبي الى الوجه الايجابي في دفع حضارة الجنس البشري الى الأمام .
مصر – أم الدنيا – والتي كانت السّباقة في الإشعاع الحضاري , تخلفّت عن هذا الدور بسبب نشأتها الأولى التي تمحورت حول الرّي وما لزمه من مركز تحّول الى استبداد مقيت سيطر فيه الفرد الصمد الواحد الأحد القائد الضرورة .
سبقت مصر دولة مثل أمريكا لا يقارن تاريخها الحضاري بتاريخ مصر . والآن وفي ظل العولمة نحن نحتاج الى كل الحضارات المعنية بالانسان , ولابد أن تنهض المنطقة من كبوتها لتأخذ دورها في هذا المضمار .
سأكتب هنا عن جانب واحد يمكن أن يقف حجر عثرة في طريق القطع مع الاستبداد التي بدأته ثورة شباب مصر ووصل تأثيره الى اكبر جزيرة استبداد في هذا الكون وهي جزيرة الاستبداد الصيني حسب تعبير الصديق جورج كتن .
ان أكبر محاولة في تاريخ المنطقة لقطع تلك البنية الاستبدادية جرت على يد دعوة الرسول العربي محمد , فقد أرادت استبدال حكم السلالات المرزول حسب وصفها بحكم يقوم على الشورى , ولكنها فشلت بالنهاية ليصح فيها قول الكواكبي – اللهم ان الاستبداديين جعلوا دينك غير الذي أنزلت . تحوّل الدين الاسلامي على يد المستبدين من اسلام القرآن الى اسلام الحديث , وأصبح عنوانه في عصرنا الحالي اسلاما وهابيا يدعم حكم السلالات المستبدة في كل مكان .
زاد في الطين بلة دعم الطبقات المالكة في كل أنحاء العالم للإسلام الرسمي الذي يدعو إلى طاعة أولي الأمر, من اجل استمرار نهب وتوزيع الثروات فيما بينهم , والآن وبعد كل ما جرى يتبين لشباب الثورة المصرية تحديدا أهمية دور الدين الاسلامي في دعم تلك الثورات .
ان منطقتنا مختلفة كليا عن أوروبا ولا يصلح طريقها لثوراتنا , نحن في الشرق أحوج ما نكون ليتعاون الدينون والعلمانيون من اجل إعلاء شأن الإنسان على الأرض . لدى جماهيرنا طاقة ايمان مبنية على قيم الدين تفوق طاقة العقل , واذ عرفنا كيف نوظفها لصالح تنمية عريضة في المجتمع , نكون بذلك قد قطعنا الطريق على كل من يريد ان يوقع بين جناحي الثورة , وضمنا الخروج من مستنقع الاستبداد الى غير رجعة . اما اذا استطاعت الطبقات المالكة الايقاع بيننا لنعود فنقسم الإنسان الى نوعين نوع كافر ونوع مؤمن , فسنفشل كما فشلنا في السابق .
تحديات الثورة المصرية تكمن هنا , وأخطر طريق عليها هو طريق الثورة الايرانية , وإذا تجنبت ذلك الطريق وسارت باتجاه دولة مدنية تعددية لا تقصي أحدا فستكون ثمارها يانعة لا يستبعد أن يقطف منها الشعب الايراني أهم ثمرة فيها , فتتعّدل مسار ثورته وتلهم اصلاحييها – الذين يعترفون بالآخر- ليعودوا فيساهموا بشكل بناء في المنطقة بدل الدور السلبي الحالي الواضح , خصيصا في لبنان وفلسطين .
من المؤسف أن نقول: إن تاريخ الاخوان المسلمين في مصر يقوم على إقصاء الآخر ولا يزال حتى كتابة هذه السطور يحتفظ بشعار – الاسلام هو الحل – ولكن دورهم داخل شباب ثورة مصر حتى الآن دورا ايجابيا وبناء . هل هذا من قبيل التكتيك ؟ ام انه قناعة جديدة تجعلهم يستلهمون تاريخ عمر بن الخطاب وقاعدته الفقهية – تغير الأخكام بتغير الأحوال – بدلا من استلهام النموذج الايراني .
ان فعلوا ذلك فسيخففوا الكثير من آلام المرحلة المقبلة وسيحولوا طاقة جماهيرنا الدينة الى طاقة ايجابية لخدمة قضية الانسان . وان عادوا الى شعارهم السابق فسيكونون أول الخاسرين على المدى البعيد على ما أعتقد .
كامل عباس – اللاذقية