بتصريحه الشهير ” سنشطب أوروبا(الغرب)من الخريطة..” ليست زلة لسان
منه بقدر ما هي تعبير عمّا يُضمِر، إذ أكّد “المعلّم” في 2011 رؤية أرباب أمره “من لا يوافقنافسنلغي وجوده“، مطوّراً ومتجاوزاً رؤية “الكاهن الأب”: “مَن ليس معنا فهو ضدنا”، عندما وقف الغرب مع ثورة السوريين في مواجهة استبداد العصابة الأسدية، إذ وصل الأمر إلى حدّ الإلغاء الماديّ، لا الإقصاء وحسب. فالغرب يعزل نفسه حين يساند أضداد النظام المطالبين بالحرية والكرامة. وبعد عقد من الدمار والموت والاقتلاع،يأتي تصريح رئيس العصابة، وفي موقف يحمل من التحدّي والصلف والغرور ممزوجاً بالسخرية، ما لا يمكن وصفه أو قياسه، إذ يقول للغرب الذي شكّك بشرعية انتخاباته إن “قيمة آرائكم صفر، وقيمتكم عشرة أصفار!“، ومن “دوما“ أحد مواقع جرائمه الكيماوية، مضمّناً هراءه برسالتهللسوريين: أرواحكم ستفارق أجسادكم للمرة الألف، لو تجرّأتم على الحلم. لينتقل للإلغاء المعنوي بعد المادي، فتكتمل حلقة الإبادة، فمَن يشكّك أو لا يرى فيما يقوم به شرعياً، يساوي العدم. وبذلك يقرّر أن العصابة هي الحقّ، والحقّ هو العصابة، وهكذا سيكون دستور “سورية الأسد“ بعد أن هنّأ السوريين بإعادة انتخابه مرّة رابعة، وربماالأخيرة، قبل أن يخرج من ينادي به إلى الأبد، أو يضع دستوراً يضمن له توريث ابنه.
ففي غياب موقف دولي واضح وصارم، ونفاق وتدليس عربي، وضعف وارتهان
سوري، أمكن لنظام تصنّفه القوانين الدولية مجرم حرب؛ لاقترافه المجازر واستخدامه الأسلحة الكيماوية، وتعدّه لا شرعيّاً بحكم عدم التزامه القرارات الدولية، أن يجري انتخابات لشرعية دولية مفقودة، ويجبر العالم على قبول نتائجها، ولا مناصَ من التعامل معه، فهو الأمر الواقع، وكل ما كان، لتكون هذه النتيجة، وليتابع-بذات الوقت-استجداء دول الغرب لإعادة إعمار ما دمّر!
إن شرعنته لنفسه سبع سنوات، تعني للسوريين المزيد من الألم والمعاناة، والكثير من الأزمات المعيشية والطوابير والغلاء والفساد والنهب والاستغلال والابتزاز والجوع والمرض والجهل والحرمان والسطوة الأمنية والرهن للبلاد والارتهان للمحتلّين والحلفاء، وهو ما تحقّق بفضل شطبه الغرب من الخريطة بداية الثورة، وتصفير رأيها بعد عقد من الثورة، إذ لولا الاستهانة واللامبالاة بما يحدث في سورية حيناً، وإدراج قضية السوريين في ملفات إقليمية أو دولية أحياناً، لما وصلت سخرية وعنجهية عصابة الأمر الواقع ما وصلته اليوم. ففي الوقت الذي صارت سورية تعني للغرب قضية إنسانيةحقوقية، ما انفك رعاة العصابة وحلفاؤها يؤطّرون لها جوهراً سياسياً وشرعياً، بعد أن حقّقوا المطلوب عسكرياً، أساسه استمرار الوضع، وجعلسورية بيضة القبان في مقايضات إقليمية أو دولية، سواء في المنطقة أو خارجها؛ ليكون ما حلّ بسورية وبشعبها درساً للمنطقة، ولتكون سلالة الإبادة الأسدية رمزاً لكل الطغاة، فالأسد الأب مؤسّس السلالة الذي يتباركون بخلوده– يكمل في 10حزيران، العام الثاني والعشرين على نفوقه- كان سبّاقاً في خلق نظام الجمهورية الوراثية، وسابقاً في طحن مَن يخرج على رأيه، وله السَّبَق في تعميق الشروخ في النسيج الوطني، ليبقى الحاكم المتحكّم بأديان وطوائف السوريين وإثنياتهم، قبل انتماءاتهم السياسية، وليكمل الابن طريق الانهيار الذي يقضي على سورية الحلم، المدنية التعدّدية الديمقراطية، فيعلن بمفاهيمه الإبادية للثورة والثائر والوطن والوطنية والخيانة والعمالة والارتهان انتصاره،إنه يتحوّر بعد ارتدائه وجهه “البوتكس” في مناسبة رأى أنها الضربة القاضية لكلّ مَن خرج عليه، فكما أوشك على إبادة الثورة مادياً، أخذ يمهّد لإبادتها معنوياً وأخلاقياً وسياسياً وإنسانياً، جارفاً كل القِيم النبيلة التي قامت لأجلها.
لم يبقَ أحد يعقل القضية السورية، إلا وعبّر عن لا شرعية المهزلة، وإن ارتدى لسان الدبلوماسية فإنه يشكّك، أمّا الراقصون المشبّحون المسبّحون بحمده والثناء عليه، فلهم حبّ الذلّ والعبودية والمهانة بتقبيل الحذاء مسوّغاً كافياً لانحطاطهم.ولهذا بدأ الداعمون (إيران وروسيا.. وكثير من العرب) الترويج لبضاعة كسد سوقها؛ لفسادهاورداءة تصنيعها وسوء إنتاجها ومخرجات التعامل معها، واعتمادهم على عدم وجود بديل للمهمات القذرة التي يقوم بها، وعلى أمل تحسُّن المنتج، وتغيّر الأحوال، فَهُم يوظّفون رداءتهللمضاربة في سوق الصراعات التي لن تهدأ في سورية قريباً، على حساب السوريين، ويتناسون دمغتها الإبادية الدموية، شرعنةً لمكاسبهمواستمرارها، وبالتالي تفعيل “أستانا” كعملية سياسية موازية للمسار الأممي، حيث لروسياالقول الفصل، إذ أشادت بنزاهة الانتخاباتومطابقتها للمعايير، لتضمن بقاء طول يدها الذي ارتبط بحساباتها الإستراتيجية الإقليمية والدولية. وتفاءلت إيران بما سيكون عليه مستقبل السوريين، بعد أن كرّست طموحها بوقائع ديموغرافية واجتماعية واقتصادية وعسكرية على الأرض، وكذلك حققت تركيا أكثر مرادها، واطمأنت إسرائيل لنيل مبتغاها، بانتخابات مقرّرة نتيجتها، ومعروفة أهدافها وغاياتها، وتحقّقالسوريون أن الغرب مطاوع لمصالحه لا لقِيَمه،وأنه صوت يخضع لعصا القائد الأمريكي الذي لمّايحسم أمرَ إستراتيجيّته وسياسته في سوريةبعد.
إن ما حدث على يد سفّاح سورية ليس انتصاراًللطغاة وإعادة تدويرهم لنجاعة أدوارهم، وسخرية من عالم الديمقراطية والقيم الإنسانية وحسب، بل هزيمة لكل دعاة الحرية، فسلالة الإبادة الأسديةصارت رمزاً، لن تُمحى آثاره قريباً.