تشهد مدينة درعا حالة من الترقب والتوتر الأمني، تنذر بحملة عسكرية وشيكة قد يشنها النظامان السوري والروسي عقب فشل جولات التفاوض مع لجان درعا المركزية، لبحث أسباب الفوضى الأمنية في المحافظة التي تشهد عمليات اغتيال بشكل يومي، تتهم بارتكابها الميليشيات واللجان المحلية المسلحة التابعة لأفرع النظام الأمنية.
وقالت مصادر محلية لـ«القدس العربي» إن الجانب الروسي طالب لجنة التفاوض في درعا البلد، بتسليم 200 قطعة سلاح فردية «ستستخدم للحماية الشخصية» وطالب لجنة درعا البلد بتسليم الأسلحة الفردية، مقابل إخراج اللجان المحلية التابعة للأجهزة الأمنية من مواقعها في حي المنشية وحي سجنة وجمرك درعا القديم، إضافة إلى سحب السلاح منهم، الأمر الذي اصطدم برفض شعبي واسع في المدينة.
تهديدات
المتحدث الرسمي باسم تجمع أحرار حوران أبو محمود الحوراني قال لـ«القدس العربي» إن الجنرال الروسي المعروف باسم «أسد الله» هدد منطقة درعا البلد، بتصعيد عسكري بدأ بالفعل بفرض حصار مطبق، وإغلاق الطرق الرئيسية المؤدية منها إلى مركز المدينة منذ ليلة يوم الخميس، كما حلق صباح الجمعة، الطيران الحربي فوق مدينة درعا وريفها على علو منخفض تهديدًا بالتصعيد.
ووفقاً للمتحدث فإنّ رتلاً لميليشيا كتائب الرضوان التابعة لإيران دخل إلى مدينة أزرع مساء الخميس، يضم عشرات العناصر الذين يستقلون سيارات دفع رباعي وأسلحة رشاشة، وأضاف «هناك مؤشرات على تنسيق روسي – إيراني ضد درعا، لأن الجنرال الروسي هدد الأهالي باستخدام ميليشيات شيعية ضدهم».
في غضون ذلك، شهدت مدينة درعا وقفة احتجاجية رفضاً لما وصفوه بأنه ابتزاز واستفزاز روسي في المنطقة عن طريق الجنرال المعُيّن حديثاً في المنطقة، حيث قال زياد المحاميد، عضو لجنة درعا البلد خلال الوقفة، أن الأهالي يرفضون الابتزاز الروسي لاسيما أن هذه الأخيرة لم تفِ بالتزاماتها وتمارس ضغوطها على الأهالي.
وكالة نبأ الإخبارية المحلية، والتي تنقل أخبار محافظة درعا، ذكرت الجمعة أن الطيران الحربي يحوم في أجواء المحافظة الجنوبية بعدما أغلقت قوات النظام منافذ المدينة، كنوع من رسائل التهديد بعد رفض الطلب الروسي تسليم السلاح الخفيف بدرعا.
ووفقاً للمصدر فإن قوات النظام أغلقت المنافذ المؤدية من درعا البلد إلى مركز المدينة بعد منتصف الليل، وأبقت على واحد فقط في حي سجنة. حيث يتواجد على منفذ حي سجنة ثلاث نقاط عسكرية إحداها يتبع لفرع الأمن العسكري، وبدأت بتشديد وتدقيق على المارّة منذ يوم الخميس الفائت. جاء ذلك بعد يومين من رد لجنة التفاوض بالرفض للطلب الروسي بتسليم السلاح الخفيف والسماح بحملة تفتيش في المدينة. واعتبر سكان، أن الاجراءات الأخيرة كرسائل تهديد وتلويح بالخيار العسكري من روسيا والنظام في محاولة للضغط على اللجنة والأهالي للقبول بالطلب الروسي.
مفاوضات
وبدأ حصار مدينة درعا الفعلي في31 أيار/مايو الفائت، بعد أن أغلقت قوات النظام السوري الطرقات المحيطة بدرعا المحطة، عبر رفع سواتر ترابية كبيرة في منتصفها، الأمر الذي ينذر وفق المتحدث لـ «القدس العربي» بنية النظام بالتصعيد العسكري فيما لم يسلم الأهالي السلاح الفردي، مرجحًا أن يكون السبب الرئيسي وراء الحملة الانتقام من أهالي المحافظة رداً على رفضهم المشاركة في الانتخابات الرئاسية.
وتفاوض لجنة درعا المركزية البلد النظامين السوري والروسي في ملفات ساخنة تخص المنطقة منذ عقد اتفاق التسوية في تموز 2018. بينما تتمثل اللجان المحلية المسلحة التي يطالب الأهالي بكف سطوتها، لما تمارسه من سلطة مطلقة على المنطقة، بعدما جنّدتها الأجهزة الأمنية وسلمتها أسلحة وبطاقات أمنية بهدف تنفيذ عمليات الاغتيال بحق المطلوبين للنظام وعلى رأسهم قيادات وعناصر فصائل الثوار بدرعا البلد السابقون، حيث تتهم اللجان المسلحة بقتل العشرات من أبناء المنطقة الذين رفضوا التهجير وعقدوا اتفاقيات تسوية مع النظام السوري. وتتمثل بمجموعة «مصطفى قاسم المسالمة» الملقب بـ(الكسم) الذي يتبع لفرع الأمن العسكري والذي يتخذ من حي المنشية وجمرك درعا القديم مقراً لمجموعته، ومجموعة القيادي «شادي بجبوج» الملقب بـ(العو) التابع للأمن العسكري، والخلية الأمنية التي يديرها المدعو «وسيم أعمر المسالمة» وهو قيادي يعمل لدى الميليشيات الإيرانية، والمجموعة التي يتزعمها محمد بسام تركي المسالمة التابعة للفرقة الرابعة.
وفي تموز 2018 سلّمت فصائل درعا البلد سلاحها الثقيل والمتوسط لنظام الأسد مقابل وقف إطلاق النار والتهدئة في اتفاقية سُمّيت آنذاك بـ»التسوية» وبرعاية من الشرطة العسكرية الروسية، إذ بقي لدى الشبان سلاح فردي خاص بهم تحت سلطة عشائر المنطقة.
ونقل عامر الحوراني عن شاب ثلاثيني وهو مقاتل سابق في أحد فصائل الثوار قوله «أملك اليوم قطعة من السلاح الخفيف وهي عبارة عن بارودة كلاشنكوف وهو سلاح قمت بشرائه على حسابي الخاص لحماية نفسي من اللجان التي جندها النظام السوري لقتلنا، والعشرات من أقراني يقتنون هذا السلاح من حسابهم الخاص لحماية أنفسهم».
كما تحدث أحد وجهاء محافظة درعا لتجمع أحرار حوران بأنّ طبيعة حوران العشائرية تفرض امتلاك أبنائها للسلاح وتوارثه عن الأجداد، إذ من الطبيعي أن تقتني أي عائلة سلاح فردي خاص بها لتحمي أبنائها، مشيراً أنه لا ثقة لأهالي المحافظة بأية وعود تطلقها أي جهة كانت لعدم تنفيذ النظام السوري وروسيا الوعود التي قطعوها على أنفسهم عند توقيع اتفاقية التسوية بالإفراج عن المعتقلين، في حين التزمت فصائل الثوار بتسليم سلاحها آنذاك”.
وسيطرت قوات النظام مدعومة بسلاح الجو الروسي على محافظتي درعا والقنيطرة في تموز 2018 وفرضت اتفاق التسوية على الراغبين بالبقاء فيها، من أهم شروطها الإفراج عن المعتقلين، وعودة الموظفين المفصولين، مقابل تسليم السلاح الثقيل والمتوسط من قبل فصائل المعارضة.
ولكن اتفاقية «التسوية فرضت على محافظة درعا واقعاً مأساوياً يتمثل بالاغتيالات التي سجّل فيها مكتب التوثيق في تجمع أحرار حوران 700 عملية ومحاولة اغتيال منذ عقد اتفاقية التسوية حتى 15 حزيران 2021 استهدفت قياديين ومقاتلين سابقين في فصائل الثوار، إضافة لوجهاء مفاوضين عن المنطقة، في حين فاقت أعداد المعتقلين لدى النظام السوري منذ اتفاقية التسوية حاجز الـ2400 معتقل من أبناء المحافظة، حسب توثيق المكتب.
“القدس العربي”