تنطلق يوم غد الاثنين في العاصمة الإيطالية روما أعمال مؤتمر وزاري موسع دعت إليه الولايات المتحدة الأميركية للتداول في العديد من ملفات القضية السورية، في خطوة هي الأولى من قبل الإدارة الأميركية تجاه هذه القضية التي لا حلول سياسية جادة تلوح في أفقها.
المؤتمر الذي يُعقد على هامش الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي، يضم وزراء خارجية 15 دولة هي مجموعة السبع الكبار، والمجموعة المصغرة حول سورية، وتركيا وقطر والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، إضافة إلى مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسون.
واستثنت وزارة الخارجية الأميركية روسيا وإيران، في تأكيد جديد على دوريهما السلبي في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة منذ منتصف عام 2012، من دون نتيجة. ويعد هذا المؤتمر الأول حول سورية الذي دعا إليه ويترأسه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ويهدف إلى ممارسة الكثير من الضغط السياسي والاقتصادي على النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين الرافضين حتى اللحظة تسهيل مهام مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية.
ويأتي هذا المؤتمر قبيل أيام فقط من بدء مداولات مجلس الأمن، من أجل تمديد العمل بآليات دولية لإدخال مساعدات إلى الشمال الغربي من سورية، والتي تنتهي صلاحيتها في الـ 11 من يوليو/تموز القادم. وتصر الولايات المتحدة الأميركية على التجديد لهذا القرار في مجلس الأمن بحيث يتم إيصال المساعدات إلى نحو أربعة ملايين سوري في شمال سورية من خلال معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا. بينما تؤكد روسيا أن المساعدات يمكن إيصالها تحت إشراف النظام السوري حتى إلى مناطق خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة السورية المعارضة، زاعمة أن هذه الآلية التي أقرت في عام 2014 إبّان الحرب ضد تنظيم “داعش” لم تعد ضرورية.
كما يزعم الجانب الروسي أن استمرار تقديم المساعدات الإنسانية عبر معابر لا يسيطر عليها النظام السوري ينتهك مبدأ سيادة الأخير على كامل الأراضي السورية، إلا أن المجتمع الدولي يدرك أن الهدف الحقيقي للروس والنظام محاصرة الشمال السوري وحجب المساعدات الإنسانية عن سكانه، وجلهم نازحون نتيجة العمليات العسكرية والقصف الجوي من قبل النظام وحليفيه روسيا وإيران.
ومن المتوقع أن يبحث المؤتمر في الخيارات المتاحة أمام المجتمع الدولي لإيصال المساعدات الدولية في حال استخدام الروس لحقهم في النقض لمشروع قرار التمديد الذي سيصوت عليه مجلس الأمن على الأرجح في العاشر من الشهر المقبل. وتشير المعطيات السياسية إلى أن الإدارة الأميركية ليست في وارد الوقوع تحت ابتزاز موسكو الساعية إلى “صفقة” تتيح لها الحصول على مكاسب سياسية واقتصادية مقابل تمرير مشروع القرار في مجلس الأمن، تدفع باتجاه تأهيل النظام السوري إقليميا ودوليا.
وكان فريق “منسقو استجابة سورية” الإنساني في شمال سورية طرح مطلع الشهر الجاري خيارات في حال لم ينجح مجلس الأمن بتجديد آلية إدخال المساعدات، منها “عودة المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة إلى ما قبل القرار 2165 في عام 2014 من خلال العمل بشكل خارج نطاق آلية التفويض، وتحويل التمويل الخاص بوكالات الأمم المتحدة، إلى منظمات دولية غير حكومية، تقوم بتوزيع الدعم المقدم إلى الجهات المحلية”.
وكانت الدول المانحة قد جمعت، خلال اجتماعات النسخة الخامسة من “مؤتمر بروكسل من أجل سورية” التي عقدت أواخر مارس/آذار الماضي، نحو 6.6 مليارات دولار أميركي لعامي 2021 و2022، لمساعدة اللاجئين والنازحين السوريين في قطاعات مختلفة، في مقدمتها الصحة والتعليم والإغاثة الإنسانية.
ومن الواضح أن ملفات سياسية مهمة ستطرح على طاولة مؤتمر روما، وهو ما يفسّر حضور المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون والجامعة العربية التي دعيت في اللحظات الأخيرة.
ومن المرجح أن يعرض بيدرسون أمام 15 من وزراء الخارجية العقبات التي يضعها النظام وحلفاؤه أمام جهود الأمم المتحدة في تنفيذ مضمون القرار الدولي 2254، إذ لم تنجح حتى اللحظة في الدعوة إلى جولة جديدة من جولات عمل اللجنة الدستورية المنوط بها وضع دستور جديد للبلاد.
إعادة بناء تحالف لمصلحة المعارضة
واعتبر المحلل السياسي رضوان زيادة في حديث مع “العربي الجديد” دعوة الجامعة العربية “خطوة ذكية لإبلاغها برسالة عدم التطبيع مع الأسد بأي حال من الأحوال، إذا أرادت أن تبقى لها قيمة ومعنى كمنظمة إقليمية وجزء من المجتمع الدولي”.
واعتبر زيادة مشاركة قطر وتركيا “خطوة مهمة من أجل إعادة بناء التحالف الدولي لمصلحة المعارضة بعد أن تفكك عقد هذا الحلف بسبب الخلاف الخليجي”، مضيفا “الآن ربما نجد دبلوماسية أميركية نشطة من أجل المساعدات الإنسانية ومن أجل تطبيق القرار 2254”.
من جانبه، لا يتوقع إبراهيم الجباوي عضو هيئة التفاوض التابعة للمعارضة تحريك العملية السياسية بعد مؤتمر روما، مضيفا في حديث مع “العربي الجديد” أن “أكثر ما سينتج عن المؤتمر استئناف إدخال المساعدات من خلال معبر باب الهوى، وذلك بعد اختزال الأزمة السورية بملف المساعدات. ولكن عبد المجيد بركات عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري ينظر بإيجابية إلى مؤتمر روما، فقد أشار في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن “عدد المدعوّين إليه يبرز الأهمية الكبيرة لهذا المؤتمر”. كما أشار إلى أن “هذا المؤتمر يمكن أن يعطينا تصورا حول سياسة واشنطن تجاه الملف السوري في ظل إدارة الرئيس جو بايدن”، مضيفا “نتوقع أن يعيد هذا المؤتمر الزخم الدولي للقضية السورية ويعيدها إلى مكانتها في المشهد الإقليمي والدولي”.
وتابع بركات القول “هناك تحديات كبيرة أمام الملف، نتوقع أن يجري نقاش حولها، منها توقّف العملية السياسية، لذا لا بد من بلورة إسهام دولي يدفع باتجاه عملية سياسية جدية لها ضوابط. ننتظر نقاشات حول تجاوزات النظام وحلفائه العسكرية في شمال غربي سورية”.
ورجّح بركات أن يكون الملف الإنساني حاضرا بقوة في نقاشات المؤتمر، مضيفا “هذا الملف مهم، ولكن يجب ألا يُختزل الملف السوري بهذا الجانب فقط”. ويعتقد بركات أن المؤتمر “سيوجه رسائل قوية للدول الساعية إلى تطبيع علاقاتها مع النظام السوري”، مضيفا “نتوقع أن يدفع هذا المؤتمر القضية السورية إلى مقدمة المشهد الإقليمي والدولي وأن يحد من سلوكيات النظام العدوانية.
“العربي الجديد”