لأول مرة منذ أشهر طويلة، عاد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان للتلويح بالقيام بعملية عسكرية جديدة في سوريا وذلك في ظل تصعيد كبير تشهده مناطق شرق نهر الفرات شمالي سوريا وغربه وسط تصاعد هجمات روسيا والنظام على إدلب وهجمات الوحدات الكردية على القوات التركية في ظل غموض كبير حول نتائج اللقاءات الروسية التركية المتواصلة على أعلى المستويات في الأيام الأخيرة.
وزير الدفاع التركي يجتمع بقادة الجيش وجاويش أوغلو التقى لافروف
ولا يعرف على وجه التحديد ما إن كانت التطورات المتلاحقة في شمالي سوريا تأتي في إطار حراك سوف يقود إلى اتفاق جديد بين البلدين قد يشمل تغيير خريطة السيطرة في المنطقة أم أنها نُذر تصعيد خطير قد يقود إلى مواجهة جديدة بينهما إذا ما فشلت الجهود الدبلوماسية والاتصالات المكثفة المتواصلة بين الجانبين.
وفي كلمة له عقب اجتماع الحكومة التركية في أنقرة، اعتبر اردوغان أن صبر بلاده قد نفد تجاه هجمات التنظيمات الإرهابية في شمالي سوريا في إشارة إلى الوحدات الكردية التي كثفت هجماتها في الأيام الأخيرة حيث أدت إحدى الهجمات إلى مقتل اثنين من عناصر شرطة المهام الخاصة في منطقة عملية «درع الفرات» شمالي سوريا.
تهديد اردوغان و«نفاد صبره»
وقال اردوغان: «الهجوم الأخير على قواتنا والتحرشات التي تستهدف أراضينا بلغت حداً لا يحتمل» مضيفاً: «نفد صبرنا تجاه بعض المناطق التي تعد مصدراً للهجمات الإرهابية من سوريا تجاه بلادنا.. عازمون على القضاء على التهديدات التي مصدرها من هناك (شمال سوريا) إما عبر القوى الفاعلة هناك أو بإمكاناتنا الخاصة» وهدد بالقول: «سنقدم على الخطوات اللازمة لحل هذه المشاكل في أسرع وقت».
ولم يحدد اردوغان المناطق التي هدد بالتحرك ضدها لكنه اكتفى بالإشارة إلى أنها المناطق التي تستخدمها الوحدات الكردية في مهاجمة القوات والأراضي التركية، لكن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو كشف أن الشرطيين التركيين قتلا في هجوم انطلق من مناطق سيطرة تنظيم «ب ي د» الكردي في مدينة تل رفعت وهي منطقة تطالب تركيا منذ سنوات طويلة بطرد الوحدات الكردية منها وتهدد بالتحرك ضدها عسكرياً لكن روسيا وقفت على الدوام أمام الضغوط التركية بالسيطرة على المنطقة.
وأعقب تهديدات اردوغان لقاء لوزير الدفاع التركي مع رئيس هيئة الأركان وقادة القوات الثلاث وكبار قادة الجيش. كما تزامن مقتل الجنود الأتراك مع تفجير سيارة مفخخة في مدينة عفرين أسفر عن مقتل وإصابة عشرات المدنيين وتقول تركيا إن تنظيم «ب ي د» ينفذ هذه الهجمات انطلاقاً من تل رفعت وعين العرب/كوباني، كما تزامن مع تطور أهم وهو سقوط عدد من القذائف الصاروخية على قضاء «قارقاميش» التابع لولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا واتهمت مصادر تركية الوحدات الكردية بتنفيذ الهجوم انطلاقاً من منطقة عين العرب شمالي سوريا، وهي منطقة تهدد أيضاً تركيا منذ سنوات بمهاجمتها لطرد الوحدات الكردية منها.
هذا التصعيد العسكري المتصاعد شرقي وغربي نهر الفرات، يأتي بالتزامن مع التصعيد الكبير والهجمات التي يشنها النظام السوري والطيران الحربي الروسي على محافظة إدلب ومحيطها كما وصلت الهجمات الجوية الروسية إلى مناطق خارج إدلب واقعة تحت سيطرة القوات التركية وهو ما يؤشر إلى استمرار الخلافات وعدم وجود اتفاق بين الجانبين حول مستقبل مناطق السيطرة والنفوذ في الشمال السوري.
ونهاية الشهر الماضي، التقى اردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بمنتجع سوتشي بروسيا في لقاء استمر لقرابة ثلاث ساعات وجرى بشكل ثنائي دون مشاركة وفود من الجانبين دون تنظيم مؤتمر صحافي أو الإدلاء بأي تصريحات حول نتائج اللقاء الذي اكتفي اردوغان بوصفه بـ»البناء والعميق» دون الإفصاح عن نتائج المباحثات المتعلقة بالملف السوري ومستقبل الشمال وهو الملف الذي كان الأبرز على طاولة الزعيمين.
«التحضير لهجوم كيميائي»
ولم تمض أيام قليلة على قمة الزعيمين، حتى أعلن عن إجرائهما اتصالاً هاتفياً لم يتم الكشف عن تفاصيله، أعقب ذلك، الاثنين، لقاء بين وزيري خارجية البلدين سيرغي لافروف ومولود جاوش أوغلو خصص لبحث «مخرجات القمة والاتصال الذي جرى بين اردوغان وبوتين» دون أي إشارات إلى مدى توافق أو اختلاف البلدين حول الخطوات المقبلة في الملف السوري.
وفي ظل غموض مستقبل التوافق السياسي بين البلدين، يؤشر التصعيد العسكري على الأرض إلى حجم التحديات التي تواجه البلدين ومدى الاختلاف القائم وتتزايد التكهنات حول ما إن كان البلدان يتجهان نحو توافقات جديدة تعيد رسم مناطق السيطرة أم صدام يمكن أن يحمل في طياته تبعات خطيرة، لا سيما وأن التصعيد الميداني يعكس بطبيعة الحال حجم التجاذبات التي تشهدها المباحثات السياسية بين البلدين.
وبينما تضغط روسيا عسكرياً وسياسياً على تركيا من أجل تنفيذ تفاهمات سوتشي وسحب قوات المعارضة السورية خلف الطريق الدولي «أم 4» وفتح الطريق بشكل كامل، تضغط تركيا على روسيا من أجل عدم الوقوف أمام ما يبدو أنها مخططات للقيام بعملية عسكرية جديدة لطرد الوحدات الكردية من مناطق تل رفعت وعين العرب/كوباني وغيرها، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام تكهنات حول ما إن كانت مقايضات سياسية ربما تفتح الباب أمام تغيير خريطة السيطرة بما يخدم أهداف ومصالح الطرفين في هذه المرحلة.
لكن هذا الخيار يبدو حتى الآن صعباً على الجانبين، فروسيا ترفض «شرعنة» أي عملية عسكرية تركية جديدة انطلاقاً من شعاراتها المتعلقة بـ»السيادة السورية وحق النظام بالسيطرة على كامل الأراضي السورية» فيما تركيا تخشى أن يؤدي إلى تقدم للنظام السوري في إدلب إلى موجة لجوء جديدة لملايين السوريين القاطنين هناك، لكن ذلك لا ينفي مكانية التوصل إلى تفاهمات أقل من قبيل ضغط روسيا على الوحدات الكردية لوقف هجماتها وربما سحب قواتها من بعض المناطق لصالح النظام السوري مقابل تراجع قوات المعارضة السورية وتولي الجيش التركي مهمة فتح الطريق الدولي «أم 4» كون الخيار الآخر سيكون المواجهة العسكرية الخطيرة التي ستهدد علاقات البلدين وهو سيناريو غير وارد لدى الطرفين في هذه المرحلة على أقل تقدير.
يجري ذلك بينما موسكو تحاول من جديد لإعادة ترتيب وضع محافظة إدلب ومحيطها شمال غربي سوريا ومنطقة الفرات في الشمال الشرقي، عبر زيادة الضغط على أنقرة، بتكثيف الهجمات وتوسيع مدارها، يأتي ذلك تزامناً مع تداول أنباء تفيد باستعداد النظام السوري وحلفائه لشن هجوم بالسلاح الكيميائي على المدنيين في إدلب ومحيطها شمال غربي سوريا.
وإزاء ما تقدم، يقول الباحث لدى المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام رشيد الحوراني لـ «القدس العربي» إن روسيا بدأت بالتصعيد على ريف حلب من خلال اتجاهين، الأول إعطاء الضوء لقسد لتنفيذ عملياتها في المناطق الخاضعة للنفوذ التركي، والثاني استهداف الروس لقرى وبلدات في ريف حلب الغربي ككفرنونان وتقاد.
الأسباب التي دفعت موسكو إلى توسيع نطاق هجماتها، تعود وفقاً للخبير العسكري إلى عجزها عن تحقيق أهدافها العسكرية في جنوب إدلب بسبب التعزيزات العسكرية التركية، ورفض تركيا سحب قواتها من المنطقة ما لم تنفذ روسيا ما تضمنته التفاهمات معها.
أما حيال نقل التصعيد إلى ريف حلب، فذلك يرمي إلى «تشتيت المجهود العسكري سواء لتركيا أو فصائل الثورة السورية، من خلال تعدد محاور القتال واعتماد التصعيد المتدرج عليها. كما أنها تريد أن توصل رسالة للأتراك بأنه لدينا القدرة على التصعيد إلى أبعد حد دون اللجوء لعملية عسكرية واسعة».
بموازاة ذلك، كشف تقرير للوحدات الأمنية التركية، استعداد قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية لشن هجوم بالسلاح الكيميائي على المدنيين في إدلب في ومحيطها شمال غربي سوريا، وذكر التقرير الذي أرسلته وحدات أمنية تركية مؤخراً إلى أنقرة بشأن التطورات في إدلب، أنه يتم تخزين المواد الكيميائية بشكل مكثف في منطقة حلب.
وحسب المعلومات التي حصلت عليها صحيفة «حرييت» التركية، فقد تم التأكيد على تزايد المؤشرات على أن النظام السوري والميليشيات الإيرانية يستعدان لشن هجوم على السكان المدنيين بالأسلحة الكيمائية في محيط إدلب خلال فترة ومن ثم اتهام فصائل المعارضة السورية باستخدام الأسلحة الكيميائية.
وفي هذا الإطار يقول الخبير العسكري، إن السلاح الكيميائي يعرف على أنه أحد الأسلحة التي تستخدم في أي عملية عسكرية واسعة، وتلجأ إليه القوات المهاجمة عند عجزها عن تحقيق أهدافها، وفي حالة الشمال السوري، فإن النظامين السوري والروسي «ليس لديهما القدرة في الوقت الحالي على شن عملية عسكرية واسعة لأسباب سياسية وعسكرية، ومن المحتمل استخدام هذا السلاح في الشمال على غرار ما جرى في الغوطة وخان شيخون لإضعاف المنطقة وهو الهدف الذي تعمل عليه روسيا، دون اضطرارها إلى شن عملية عسكرية واسعة، وبالتالي فإن الهجوم الكيميائي ليس نفسه الهجوم العسكري».
“القدس العربي”