رغم أن تطبيع العلاقات بين الأردن وسوريا يبشر ببوادر انفراج سياسي واقتصادي بين البلدين، إلا أنه يعدّ مبعثا للخوف والقلق لدى اللاجئين السوريين في عمّان، والذين يسكنهم هاجس من احتمال تعرضهم لعملية ترحيل قسري ترمي بهم في براثن نظام يتوقعون أنه سيلاحقهم مجددا وسيفرض عليهم الخدمة العسكرية الإلزامية، رغم أن النظام السوري يؤكد بأن تلك المخاوف لن تحدث فيما تؤكد عمان المتعبة اقتصاديا من تداعيات أزمة جارتها أن العودة ستظلّ بشكل طوعي.
عمان – تسارعت التحركات نحو إعادة تطبيع العلاقات بين عمان ودمشق بعد سنوات طويلة اتسمت بفتور في التواصل بين نظامي البلدين، ونتج عن ذلك إعادة فتح معبر جابر – نصيب الحدودي بين البلدين أواخر سبتمبر الماضي. إلا أن هذه التطورات الإيجابية لم تبدد مخاوف اللاجئين السوريين المقيمين في الأردن من العودة إلى ديارهم، إن كانت ماتزال قائمة، وإن كان النظام السوري أيضا سيستقبلهم بطريقة تختلف عن هواجسهم.
وفتح التحسن في مستوى العلاقات بين الجانبين باب الحديث عن عودة مرتقبة للآلاف من السوريين إلى بلادهم قسرا، وسط اجتماعات رفيعة المستوى بين الجانبين تناولت التنسيق الأمني وهو ما يضع بطبيعة الحال محور اللاجئين على قائمته.
في المقابل، تسعى عمان جاهدة لإزالة حمل ثقيل فاقم من ضغوطاتها الاقتصادية والأمنية بعد استضافتها لنحو 1.3 مليون سوري، احتموا بأراضيها خلال سنوات الأزمة من جارتها الشمالية بحكم القرب الجغرافي.
لا رغبة في العودة
الأردن من أكثر الدول تأثرا بما تشهده سوريا بسبب ارتباط الدولتين بحدود جغرافية تمتد على مئات الكيلومترات
تسيطر نظرة تشاؤمية على عدد كبير من اللاجئين وقلق من مصير ينتظرهم رغم تطمينات يطلقها النظام في بلادهم بين الفينة والأخرى، إلا أن تلك التطمينات تتلاشى من خلال ما يسمعه اللاجئون عن بطش واغتيالات مجهولة وخطف وتعذيب لمن يعودون إلى بلادهم.
ويقول خالد النواصرة مدير عام جمعية التكافل الخيرية (تتبع لوزارة التنمية الاجتماعية الأردنية)، التي تعنى بشؤون اللاجئين السوريين في شمال الأردن إنه “من خلال استطلاع آراء بعض اللاجئين تبين أن العودة محفوفة بالمخاطر وخاصة لفئة الشباب بين 18 و35 عاما بسبب مخاوفهم من الخدمة العسكرية الإجبارية (التجنيد) وإرسالهم إلى مناطق ساخنة، وربما الانتقام والتصفية وإلصاق التهمة”.
وأشار إلى أن هؤلاء “لا يجدون علاقة للأمن والأمان بفتح المعبر أو إغلاقه بين الأردن وسوريا، فالقضية داخلية تتعلق بسلوك النظام السوري، وما زالت حالات الاغتيال مجهولة الفاعل والخطف والتعذيب عندهم، وما زال مصير الآلاف من السجناء مجهولاً لا يُعلم مماتهم من حياتهم”.
وأضاف النواصرة أن اللاجئين يرون أنه من الممكن أن تستفيد فئة محددة من فتح المعبر، وربما يفشل بسبب عدم المعاملة بالمثل في الدخول لكلا البلدين، والتهريب لمواد مسكرة ومخربة إلى الأردن يشكل هاجسا للحكومة الأردنية وخاصة من ميليشيات محسوبة على إيران.
وأردف: “لا توجد أيّ رغبة لدى اللاجئين بالعودة إلى سوريا، والملاحظ أن الرغبة أكبر بالهجرة من الأردن إلى دول العالم الغربي خوفاً من الخدمة الإلزامية لفئة الشباب حتى عمر 35 عاما والاحتياط حتى سن 40، وخوفا من الملاحقة الأمنية بتهم غريبة منها المشاركة في أعمال إغاثية للداخل والمخيمات، فضلا عن الفقر المدقع وندرة العمل والغلاء الفاحش وعدم توفر الكهرباء والمواد النفطية”.
ولفت النواصرة إلى أن اللاجئين يخشون من استمرار دوامة العنف وارتباطها بشكل وثيق مع وجود النظام السوري والميليشيات الدخيلة، فكل فرع أمني يشكل دولة داخل الدولة ولا يوجد تنسيق بينهم.
ويضيف النواصرة ”إلى الآن لم يحصل أيّ تغيير حقيقي في سوريا، والوضع الأمني والاقتصادي مترديان، والبيوت المهدمة ما زالت ركاما”.
ويقول إن “الكثير من اللاجئين حريصون على المشاركة في إعادة البناء والنماء إذا توفرت أسباب الاستقرار الأمني والمعيشي، وهذا غير متحقق في هذه الفترة على حد قولهم”.
في المقابل، يرى مدير عام جمعية التكافل الخيرية أن وضع اللاجئين السوريين في العالم وليس في الأردن فقط تابع لقرار دولي بإيجاد حل نهائي لهذا الملف، وهو لا شك قرار سياسي.
قرار طوعي
تعدّ الحدود مع سوريا شريانا مهما لاقتصاد الأردن، إذ تصدّر عبرها بضائع أردنية إلى تركيا ولبنان وأوروبا، وتستورد بضائع من سوريا ومن تلك الدول أيضا. وبلغ التبادل التجاري العام 2020 بين الأردن وسوريا نحو 108.7 مليون دولار، وفقا لأرقام رسمية أردنية.
وفي هذا الإطار يقول فواز المومني الخبير في شؤون الهجرات القسرية إن تطبيع العلاقات سيركز على الجانب الاقتصادي لتحسين الأوضاع الاقتصادية في الأردن بشكل رئيسي.
ورأى المومني أن “الأزمة السورية ستمتد إلى أكثر من عشر سنوات تقريبا، فالبنى التحتية منهكة والأوضاع المعيشية والأمنية سيئة جدا، لهذا فإن الأغلبية من اللاجئين السورين في الأردن غير راغبين في العودة إلى بلادهم”.
وأضاف “هناك جهات دولية وإقليمية هي التي ستحدد ملامح السيناريوهات في سوريا، مثل إيران وميليشياتها وأذرعها في العراق ولبنان، وكذلك الحال بالنسبة إلى روسيا والولايات المتحدة”.
ورأى المومني أن الأردن ملتزم بالعودة الطوعية للاجئين السوريين، ولكن ذلك لن يتم ما لم يكن هناك حل سياسي دولي، يضمن العودة الآمنة.
وأشار إلى أن عمان “تحترم القوانين الدولية، لذلك لن تقدم على إرغام اللاجئين على العودة القسرية لأنها قد تعرضها حينها إلى عقوبات دولية، لذلك لن تلجأ إلى هذا الخيار”.
ونوّه المومني إلى أن تطبيع علاقات الأردن والنظام السوري “سيؤدي بالتأكيد إلى تفاهمات وتنسيق أمني، ولكن هذا لا يعني العودة القسرية للاجئين”.
اللاجئون يتخوفون من الخدمة الإلزامية لفئة الشباب ومن الملاحقة الأمنية بتهم منها المشاركة في أعمال إغاثية للداخل والمخيمات
ويرتبط الأردن وسوريا بمعبرين حدوديين رئيسيين، هما “الرمثا” و”جابر” الأردنيين، اللذان يقابلهما “الجمرك القديم” و”نصيب” على الترتيب من الجانب السوري.
وأظهرت الأرقام الأخيرة التي نشرتها مفوضية شؤون اللاجئين على موقعها في الثلاثين من سبتمبر الماضي، بأن أعداد اللاجئين السوريين في المملكة المدرجين في سجلاتها هو 670 ألفا و364 لاجئا.
لكن عمّان تُعلن باستمرار عن استضافتها نحو 1.3 مليون سوري، وهو العدد الإجمالي لمن يحملون صفة لاجئ، إضافة إلى من دخلوا الأردن قبل بدء الثورة في بلادهم بحكم النسب والمصاهرة والمتاجرة. وتقول إن استضافة هؤلاء كلفت المملكة أكثر من 10 مليارات دولار حتى نهاية عام 2017.
ويوضح محمد الحواري متحدث مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أنه “منذ إعادة فتح معبر جابر – نصيب الحدودي السوري الأردني في أكتوبر 2018، عاد 41 ألفا و500 لاجئ مسجل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن إلى ديارهم، في حين لم يعد في عام 2021، سوى 5 آلاف لاجئ”.
ويؤكد الحواري أن “قرار العودة إلى سوريا لا يزال قراراً طوعياً يتخذه اللاجئون أنفسهم”. ومع “إعادة فتح الحدود بعد وباء كورونا، لم تلاحظ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن أيّ تغيير في أعداد اللاجئين العائدين إلى بلادهم”.
ويعد الأردن من أكثر الدول تأثرا بما تشهده سوريا، بسبب ارتباط الدولتين بحدود جغرافية تصل إلى 375 كيلومترا.
ويرى مراقبون أن سرعة تطبيع العلاقات بين الجانبين والتي تمثلت في زيارات واتصالات رفيعة، أبرزها اتصال الرئيس السوري بشار الأسد مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أوائل أكتوبر الماضي، هي معطيات تؤشر إلى أن عمّان تسعى بكافة الوسائل المتاحة وعبر منظومة العلاقات الدولية وارتباطاتها مع واشنطن وموسكو لإنهاء أزمة أثقلت كاهلها سياسيا واقتصاديا وأمنيا. كما أنه يعدّ انعكاسا لتغيير الولايات المتحدة لاستراتيجياتها في المنطقة، بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، واتجاه واشنطن حاليا لمواجهة تهديدات صينية مفترضة، في مقابل التركيز على إبقاء عمليات الأمم المتحدة للمساعدة عبر الحدود مفتوحة في أجزاء من سوريا لا تخضع لسيطرة قوات النظام.
“صحيفة العرب”