تتوالى الأصوات المستنكرة لمأساة النازحين السوريين على الحدود السورية – التركية، الذين تتحول مخيماتهم مع حلول كل شتاء إلى مستنقعات ضخمة من الطين والوحل.
فقد تجدد المشهد المأسوي في المخيمات في الشمال حيث جرفتها الأمطار الغزيرة أمس، جرفت السيول الأتربة والصخور من المرتفعات، وأغلقت الطرقات، مما استدعى تدخل فرق الإنقاذ لدى الدفاع المدني السوري، والتي بدت بدورها عاجزة أمام هول المأساة، وقال مسؤولون لـ “القدس العربي” إن “مدن القماش، مهددة بكارثة إنسانية متجددة، طالما أنها في مصب السيول والأمطار”.
ولليوم الثاني على التوالي، يشهد الشمال السوري، عاصفة مطرية غزيرة، أدت إلى تحول مناطق المخيمات العشوائية، شمال غربي سوريا، إلى برك طينية ومستنقعات، اجتاحت مساكن نحو 3000 عائلة موزعين على نحو 200 مخيم في ريفي إدلب وحلب.
ويعيش أكثر من مليون مدني هجرهم النظامان السوري والروسي، من سائر بقاع الأرض السورية، في مخيمات على الشريط الحدودي في ريفي إدلب وحلب، حيث يتجاوز عدد تلك المخيمات 1300 مخيم، بينها أكثر من 400 مخيم عشوائي، تفتقد للبنية التحتية الأساسية من طرقات ومياه وشبكات صرف صحي، ما يكرر مأساة النازحين في كل شتاء.
الدفاع المدني: مأساة
مسؤول المديرية الرابعة لدى الدفاع المدني السوري مصطفى الحاج يوسف تحدث لـ “القدس العربي” عن مأساة النازحين في الشمال السوري، التي تتكرر مع قدوم فصل الشتاء، وقال، إن “أكثر من 400 مخيم عشوائي يفتقر لأدنى مقومات الحياة، ومهددون بالغرق”. وأشار يوسف إلى أن فرق الإنقاذ تستجيب سنوياً لمئات حالات الغرق في تلك المخيمات “التي نصبت على التراب وعند تعرضها لمياه الأمطار تتحول إلى مستنقعات أو تقتلعها الرياح”.
وأضاف “هذا العام كانت مخيمات الشمال السوري على موعد مع أول عاصفة هوائية نهاية شهر تشرين الثاني أدت لتضرر أكثر من مئة خيمة وإصابة طفلين، واليوم مع أول هطول مطري غزير غرقت عشرات الخيام في الماء والطين، حيث استجابت فرق الدفاع المدني السوري لتلك المخيمات وحاولت مساعدة المدنيين عبر فتح قنوات لتصريف مياه الأمطار أو إقامة سواتر حول المخيمات أو الخيام التي تجمعت قربها المياه”.
ووفقاً للمتحدث فإن فرق الإنقاذ تساعد كل شتاء مئات العائلات التي تغرق خيامها، “وتنقل متاعهم من خيمة إلى أخرى، لن تكون بأفضل حال من سابقتها، ولن تمنع مياه المطر أو صقيع الشتاء وبرده القارس”. واعتبر المسؤول لدى الدفاع المدني أن كل ما تقدمه فرق الإنقاذ يأتي في إطار الحلول المؤقتة والإسعافية، معتبراً أن الحل الأمثل هو “عودتهم إلى قراهم وبلداتهم بشكل آمن ولا يمكن تجاهل مصير الملايين في فصل الشتاء وترك أطفالهم يقتلهم البرد”.
وقال خالد مسعود، القاطن في مخيّم كفر عروق، إن خيمته تضررت بفعل الأمطار الغزيرة، وباتت غير صالحة للإيواء، فضلاً عن تضرر مستلزمات أسرته الأساسية من ملابس وأغطية. وأوضح أن خيمته غمرت بالمياه، مضيفاً: “وضع الأطفال سيئ للغاية بسبب المطر، والطرق موحلة ولا توجد خدمات”.
وقال محمد حسن إن الأمطار غمرت العديد من الخيام واضطر العشرات من العائلات للنزوح إلى مخيمات أخرى. وأشار إلى أنهم يواجهون أوقاتا صعبة للغاية في المخيم، مطالبا بتزويد المتضررين والمحتاجين بالمساعدات الغذائية والوقود. ويعيش مئات الآلاف من النازحين والمهجرين من قبل النظام السوري في مخيمات بإدلب وشمال سوريا، وسط ظروف معيشية صعبة.
ذخائر عنقودية
في غضون ذلك، رصدت جهات حقوقية استخدام الذخائر العنقودية والألغام الأرضية، في سوريا، على مدى عشر سنوات، مشيرة إلى أنها تمتلك قاعدة بيانات تفصيلية في هذا الشأن تتضمن مواقع الحوادث وأزمنتها، وما خلفته من ضحايا ومصابين في سوريا. وذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في أحدث تقرير لها، أنها وثقت مقتل ما لا يقل عن 2772 مدنيًا بينهم 672 طفلًا، و292 سيدة، إضافة إلى ثمانية قتلى من العاملين في الكوادر الطبية، وستة قتلى من كوادر “الدفاع المدني”، وتسعة قتلى من الكوادر الإعلامية، بين آذار 2011 وحتى كانون الأول 2021.
وكانت “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” دعت المجتمع الدولي إلى التحرك لدعم الجهود للحد من المخاطر القاتلة للألغام ومتفجرات الحرب المنتشرة في سوريا.
وجمعت الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام بيانات تشير إلى أن أكثر من 12 ألف شخص تعرضوا لحادث لغم، توفي 35% منهم، بينما أُصيب الـ65% الباقون بجروح ونصفهم تعرضوا لبتر في أطرافهم. وتشكّل نسبة الأطفال المتعرضين لحادث بسبب الألغام 25% من العدد الكلي، أُصيبوا في أثناء اللعب.
وذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الأربعاء، أن الحلف السوري – الروسي انتهك قوانين الحرب في سوريا، ما تسبب في عواقب قاتلة على المدنيين هناك، في ظل غياب واضح للأهداف العسكرية في المناطق التي قصفت ما يشير إلى هجوم عشوائي.
وشددت على أن “إنهاء وقف إطلاق النار واستئناف القتال سيعرض المدنيين لمزيد من الهجمات غير القانونية، مما قد يؤدي إلى عمليات نزوح جماعي إضافية مع عواقب إنسانية وخيمة” وأكّدت أن القانون الإنساني الدولي أو قوانين الحرب، تلزم جميع الأطراف المتحاربة بتوجيه هجماتها على أهداف عسكرية وتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين أو الأعيان المدنية.
“القدس العربي”