“نداء بوست” -ترجمات- تي آر تي
بدأ العام الجديد بأنباء عن قصف القوات المدعومة من إيران لمواقع أمريكية في سورية والعراق. وبينما يُفسّر البعض ذلك على أنه رد من طهران على اغتيال الجنرال قاسم سليماني في بداية عام 2020، كان السبب المُتوقّع هو، أن إيران تستهدف الوجود الأمريكي في العراق وسورية لأنها تريد تأمين ممر وصولها إلى البحر المتوسط ولبنان.
لا تنوي طهران ترك الأمريكيين بعيدين عن التهديد. ولحسن الحظ بالنسبة لهم، لا يبدو أن لدى واشنطن سياسة بشأن وجودها في سورية حتى الآن، على الرغم من وعد الرئيس جو بايدن بإعادة تأكيد القيادة الأمريكية لحل الأزمة في سورية.
الهجمات الإيرانية المتزايدة على المواقع الأمريكية وحلفاء أمريكا، وفشل المحادثات النووية، كل ذلك يستدعي خيارات صعبة تُحجم إدارة بايدن عن اتخاذها.
ومن ناحية أخرى، يمكن للولايات المتحدة أن تغادر، كما فعلت في أفغانستان وربما تريد أن تفعل في العراق. وفي مثل سيناريو كهذا، يتركون موارد الطاقة في أيدي نظام الأسد بالإضافة إلى ما يسمى بشريكهم، وحدات حماية الشعب/حزب العمال الكردستاني -التي تُصنّفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا على أنها منظمة إرهابية- والتي يميل قادتها بشكل متزايد نحو موسكو. وعلى الرغم من تحذيرات تركيا من مثل هذا التطور، إلا أن واشنطن لم تستجب وتتنبه للمحادثات المفتوحة بشكل متزايد بين وحدات حماية الشعب والروس والأسد.
ومن زاوية أخرى، يمكن رؤية أن إدارة بايدن تمتلك الأدوات اللازمة لتعزيز مواقف واشنطن في مواجهة منافسيها.
فقاعدة “التنف”، حيث تشارك القوات الخاصة الأمريكية مع الثوار السوريين في العمليات هناك، هي فرصة للضغط على المواقع الإيرانية، على سبيل المثال. وليس من قبيل المصادفة أن تخشى إيران والأسد من هذه القاعدة لأنها قد تُمثّل مشكلة في استعادة السيطرة على مناطق شرقي سورية. حيث إن هناك تقارير تفيد بأن الأسد قد أمر بالفعل رئيس المخابرات بالاستعداد لاستعادة السيطرة على تلك المنطقة.
ويتمتّع بايدن أيضًا بصلاحيات تطبيق قانون القيصر القوي، المُصمم للضغط على نظام الأسد فلقد حان الوقت لواشنطن أن تستخدم هذه الأداة بجدية.
ولكن لسوء الحظ، يواصل بايدن إظهار موقفه المتذبذب من الصراع السوري، الأمر الذي أثار تصريحات مشتركة من قِبل كبار المسؤولين الأمريكيين تدعو الرئيس إلى عدم السماح بشرعنة الأسد من خلال الدبلوماسية المُتَستّرة.
ولقد تمت الموافقة على مشروع الطاقة الأخير المتعلق بلبنان والمرتبط بنظام الأسد من قبل الولايات المتحدة. فمع بدء الدول العربية في تجديد العلاقات مع نظام الأسد، أثارت الموافقة على مثل هذا المشروع انتقادات جديّة في الغرب، لا سيما أن قانون قيصر يفرض عقوبات على أي شركة أو دولة تساعد الأسد. ولكن إدارة بايدن لم تُثر ذلك مطلقاً حتى الآن.
تسييس المساعدة
يمكن للولايات المتحدة أيضاً إبراز نفوذها من خلال أدوات القوّة الناعمة، مثل المساعدات الإنسانية، وبالتالي اتخاذ مواقف تلامس قلوب وعقول السكان المحليين. ومع ذلك، في مثل هذه المحاولة، اتخذ بايدن خطوة غير كافية في مواجهة الجهود الروسية.
ففي شهر تموز/ يوليو من العام الماضي، نجح بايدن في إقناع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، بأن على روسيا التخلّي عن موقفها “المدافع عن السيادة السورية” والموافقة على الإبقاء على ممر المساعدات الإنسانية إلى مناطق المعارضة في شمال غرب سورية.
إن قضية المساعدات الإنسانية في سورية هي مشكلة جديّة في مجلس الأمن. حيث تعتبر آلية توصيل المساعدات أمراً حيوياً لملايين السوريين الذين فقدوا منازلهم ووظائفهم بسبب الحرب. ويتم التصويت على التمديد سنوياً، وقد رفضت روسيا تمديد التسوية التي تم التوصل إليها قبل عام، مما يحوّل العملية الإنسانية إلى أداة جيوسياسية. حيث يريد الكرملين أن تمر كل المساعدات عبر نقاط التفتيش التي يسيطر عليها نظام الأسد، وبالتالي عبر الإدارة العسكرية الروسية.
لكن ما علاقة الوضع الإنساني في سورية بأي تعقيد آخر؟ للأسف فللوضع الإنساني الكثير من الارتباطات والتعقيدات. ففي الواقع، في شهر تموز/ يوليو من عام 2021، ذكرت الولايات المتحدة وروسيا سورية وسط محادثات حول قضايا أوسع، بما في ذلك أفغانستان والهجمات الإلكترونية على أهداف أمريكية. وتستمر سورية في كونها جزءاً من المحادثات بين واشنطن وموسكو في سياق الأزمة الأوكرانية.
وتواصل روسيا الضغط على الولايات المتحدة لتقليص وجودها في المناطق التي تريد فيها تأكيد مصالحها. وقد أصبحت المساعدات الإنسانية أداة في هذا الصدد وليس لدى الولايات المتحدة العديد من الخيارات لمواجهة الكرملين. وقد تصاعدت المحادثات بشأن إمدادات المساعدات بسرعة إلى نقاش حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة في سورية وما إذا كان بإمكانها بناء وجود أقوى في المنطقة على الإطلاق.
إن الوقت ينفد من بايدن فالهجمات على المصالح الأمريكية في سورية ستتكثف، وهناك منطق في ذلك. فإيران، على سبيل المثال، تعتبر واشنطن قوة تريد التهرّب وغير مستعدة للالتزام. والتحالف ضد “داعش”، والذي غالباً ما يتم استخدامه كحجة لواشنطن لمواصلة العمليات على الحدود السورية العراقية، لن يصمد لفترة أطول. وفي سياق تضارب واسع في المصالح، لا تملك الولايات المتحدة رفاهية التخلي عن موقعها في سورية.
إنه ليس من قبيل المصادفة أن يُنظر إلى سورية على أنها رصيد إستراتيجي. فبالنسبة لروسيا، تعتبر الدولة منبراً للتأثير في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط؛ أما بالنسبة لإيران، فسورية فرصة لزيادة التوغّل المستمر منذ سنوات عبر العراق إلى لبنان.
وإذا كانت الولايات المتحدة تعتزم مواجهة التحديات التي يفرضها خصومها، فعليها أن تنظر إلى سورية على أنها فرصة وليست عبئاً تتحمله في معركة ضد جماعة متطرفة. ويمكن لبايدن أن يفعل أكثر من مجرد التحدث لإقناع بوتين بالسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية.
“نداء بوست”