بعد إدانة لاجئين سوريين مؤخرا بممارسة التعذيب على ضحايا سوريين باسم النظام، بدأت اليوم الأربعاء وقائع محاكمة طبيب سوري متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية أمام المحكمة الإقليمية العليا في مدينة فرانكفورت الألمانية.
ويتهم الادعاء العام الألماني الاتحادي، الطبيب (علاء م.) بتعذيب سجناء بصفته طبيبا مساعدا في مستشفيين تابعين لجيش النظام السوري في دمشق وحمص، وفي سجن تابع للمخابرات العسكرية في حمص خلال الفترة من نيسان/ أبريل 2011 حتى نهاية 2012، وإلحاق أضرار جسدية ونفسية خطيرة بهم. وتفترض السلطات الألمانية أن الضحايا من معارضي رئيس النظام السوري بشار الأسد.
ويوجه الادعاء العام للمتهم اتهامات بالتعذيب في 18 حالة، إلى جانب اتهام بالقتل والتسبب في إصابات جسدية خطيرة.
وبحسب موقع (RND) الألماني الإخباري، فإن الاتهامات الموجهة ضد الطبيب عديدة، منها أن المتهم قتل عمداً سجيناً بحقنة. وأنه كان معنيا بـ”إظهار سلطته وفي نفس الوقت قمع تمرد جزء من الشعب السوري”. كما أن المتهم قام بركل وضرب وتعذيب السجناء بالهراوات.
وفي عشر حالات، لم يوافق مجلس الشيوخ في البداية على لائحة الاتهام؛ لأن الادعاءات لم تكن مقيدة بما فيه الكفاية، ولم تُصغ على وجه التحديد بما فيه الكفاية. فيما نجح مكتب المدعي العام الاتحادي في تقديم استئناف إلى محكمة العدل الاتحادية.
وكان الطبيب غادر سوريا في عام 2015، وعاش في ألمانيا منذ ذلك التاريخ، حيث مارس مهنته، ثم ألقي القبض عليه في حزيران/ يونيو الماضي 2020، وأودع قيد الحبس الاحتياطي.
وكتبت مجلة شبيغل الألمانية عن أهمية المحاكمة، قائلة إن هذه المحاكمة في فرانكفورت وغيرها يمكن أن تعيد ولو قليلا بعضا من كرامة الضحايا. وقالت المجلة إنه خلافا لما حدث في كوبلنز، لم يتم توجيه الاتهام لعميل من المخابرات السورية، بل طبيب، اتُهم أنه عذب السجناء في المستشفى العسكري في حمص، والملزم بأن يقدم المساعدة إلى الناس لا أن يعذبهم من خلال “قَسَم أبقراط”.
وتحت عنوان: “مجرمو الحرب ليس لهم ملاذ آمن في ألمانيا” قابلت المجلة المحامي إيمانويل ريغير، والذي يمثل بعض ضحايا الطبيب السوري، حيث أكد للمجلة الألمانية أنه “من غير المرضي بالطبع عدم وجود الأسد وقيادة النظام في قفص الاتهام، ومع ذلك، يمكن للمحاكمة أن تحقق بعض العدالة للطرف المتضرر، إذا كان من الممكن محاسبة الجاني المزعوم. وبذلك يمكن استعادة كرامة الضحايا الذين أراد نظام الأسد إسكاتهم، حيث تعمل المحاكم الألمانية على تشجيع هؤلاء الضحايا على الكلام فيما ينشط المدعي العام في جمع ورصد جميع الأدلة التي تفيد في تأكيد أو نفي هذه الاتهامات”.
وتم تحديد 14 جلسة للمحاكمة. وتوقّع رئيس المحكمة، رومان بوسيك، خلال استهلاله جدول أعمال المحكمة في عام 2022 “محاكمة شاقة بشكل غير عادي”. وبالنظر إلى المدة المتوقعة، يشارك في المحاكمة ثمانية قضاة من المحكمة الإقليمية العليا، بالإضافة إلى خمسة قضاة من دائرة محكمة أمن الدولة، وثلاثة قضاة إضافيين “ليكونوا مستعدين لنقص القضاة على المنصة”، حسبما ذكر بوسيك في تقريره.
وقال الناشط والصحافي السوري في المنفى، صخر إدريس، الذي سافر من باريس إلى فرانكفورت لحضور المحاكمة، إن نظر محاكم ألمانية في قضايا التعذيب التي مارستها الدولة في سوريا بمثابة شرارة أمل لأقارب الأشخاص الذين اختفوا في بعد اعتقالهم من قبل قوات الأمن السورية.
وقبل بدء المحاكمة اليوم، لفتت مجموعة من السوريين الانتباه إلى المصير الغامض لمعارضين مفقودين وانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
كما رحب مكتب منظمة العفو الدولية في ألمانيا بهذه المحاكمة، وقال في بيان وصل “القدس العربي” نسخة منه، إن “أمنستي” تعتبر محاكمة فرانكفورت خطوة مهمة نحو التعامل مع الجرائم الجماعية في سوريا وتحقيق العدالة للشعب السوري. وأضافت أنه يلقي نظرة تفصيلية لأول مرة على وظيفة المستشفيات العسكرية لدى النظام السوري. كما أن المحاكمة ترسل إشارة واضحة ضد الإفلات من العقاب للمنخرطين في التعذيب في سوريا. ويوضح أنه ليس فقط جنود وموظفي الأجهزة الأمنية معرضين للملاحقة، بل ينعكس هذا أيضا على الجميع، يمكن أن يخضع للمساءلة وفقاً لمبدأ القانون العالمي.
وانتهت أول قضية جنائية في العالم -بحسب وصف الادعاء العام الألماني- تتعلق بتعذيب مارسته الدولة في سوريا يوم الخميس الماضي أمام محكمة كوبلنز الإقليمية العليا. وحُكم على ضابط المخابرات السوري السابق أنور رسلان بالسجن المؤبد لارتكابه جرائم ضد الإنسانية. ولا يزال بالإمكان الطعن على الحكم.
“القدس العربي”