تضرب عاصفة مطرية وثلجية، مناطق شمال غربي سوريا، مسببةً كارثة جديدة تهدد حياة واستقرار أكثر من مليون ونصف مليون شخص، انقطعت بهم السبل، وتحاصر بعض مخيماتهم، وتغرق بعضها الآخر، ما أدى إلى نزوح وتشريد أكثر من 2000 عائلة بعد تضرر أكثر من 72 مخيمًا عشوائيًا قرب الحدود السورية – التركية.
وتداول ناشطون صوراً ومقاطع مرئية، تظهر فيها الخيام المحاصرة بالمياه والثلوج، كما أوضحت الصور استمرار هطول الثلوج بكثافة على المخيمات.
الناشط الإعلامي رامي السيد من أحد مخيمات ريف حلب، قال في اتصال مع «القدس العربي» إن العاصفة الثلجية التي ضربت عشرات المخيمات في الشمال السوري، كانت مأساوية، ولا سيما في ريف عفرين، بسبب كثافة الثلوج في هذه المنطقة، وأضاف «تسببت الثلوج بهدم عشرات الخيام، الكثير من الأهالي باتوا في العراء، والكثير منهم يلبسون ثياباً مبللة ويفترشون الأرض، مع انخفاض درجات الحرارة، فضلاً عن عدم توفر الوقود للتدفئة».
الآلاف يبيتون في العراء والبرد الشديد يخترق خيمهم
وقال «الأهالي في المخيمات في المناطق الجبلية، يعيشون ظروفاً بالغة الصعوبة، بسبب بعدهم عن مراكز المدن وعدم توفر آليات النقل لاسيما بعد تلف خيامهم» ونقل المتحدث عن امرأة سبعينية قولها «ياريت متنا في بيوتنا قبل أن نرى هذه الظروف.. وسط العاصفة أبحث عن خيمة تؤويني وتؤوي حفيدي اليتيم».
واعتبر رامي السيد أن ثمة «سوء تخطيط في بناء المخيمات، ولاسيما مخيم أطمة الذي يضم أكثر من 7 مخيمات تقع في مجرى النهر، وبعدما طاف المجرى أغرق عشرات الخيم وأتلف أثاث هذه المخيمات». وقال «الناس هنا في حاجة إلى مواد غذائية وتدفئة واستبدال الخيام البالية بالأبنية الاسمنتية والكتل السكنية التي تقاوم الرياح والعواصف، وهو الحل الوحيد الذي يحفظ حياة الأهالي».
مأساة متكررة
الدفاع المدني السوري، قال في بيانه الأخير إن العاصفة أدت إلى انقطاع العديد من الطرق ومحاصرة المخيمات في ريف حلب الشمالي وغرق مخيمات في ريف إدلب الشمالي، حيث تضررت 1900 خيمة بشكل جزئي، و920 خيمة بشكل كلي، كانت تقطن في هذه الخيام نحو 2250 عائلة.
ونتيجة الأحوال الجوية، نزحت مئات العائلات خارج خيامها، في مأساة تتكرر كل عام في فصل الشتاء، وأدت الثلوج التي تساقطت بشكل غزير على منطقة عفرين وريفها الشمالي إلى قطع الطرق عن بلدات وقرى شران وبلبل والمخيمات المحيطة بها، بالإضافة إلى قرى ماتلي وسنكرلي ومشعلة وحلوبي كبير وحلوبي صغير وميدانكي وكوتالي واليابسة والزعرة وقسطل مقداد بمسافة تقدر بنحو 60 كم.
وحسب تقرير صادر عن منظمة الخوذ البيضاء، فقد تراوحت سماكة الثلوج الكثيفة في ريف عفرين بين 30 سم و50 سم وحاصرت مخيمات عشوائية في مناطق شران وبلبل وراجو في ريف عفرين، ومخيمات يازيباغ وشمارين وعرب غويران قرب اعزاز، في ريف حلب الشمالي. واستجابت فرق الدفاع المدني السوري لـ 57 مخيما أغلبها عشوائي، تضررت فيها 160 خيمة بشكل كامل، و1300 خيمة بشكل جزئي، ويبلغ عدد العائلات المتضررة جراء الثلوج في ريف حلب الشمالي أكثر من 1250 عائلة.
وينعكس انخفاض درجات الحرارة بشكل مباشر على النازحين في المخيمات، لاسيما على الأطفال وكبار السن، فالخيام القماشية لا تمنع تسرب البرد والصقيع، كما أن عدم عزل الخيام والأرض الطينية تزيد من البرودة، فيما تغيب التدفئة المناسبة بسبب تردي أوضاع النازحين المعيشية، ويضطرون لاستخدام مواد غير صحية في التدفئة كالنايلون والأحذية المستعملة.
وفي ريف إدلب الشمالي هطلت أمطار غزيرة أدت لتشكل السيول وتجمع الأمطار في الأماكن المنخفضة ما خلف أضراراً بـ 15 مخيماً في مناطق أطمة وسرمدا في ريف إدلب الشمالي، وقطع الطريق عن بعضها، حيث غمرت المياه أكثر من 760 خيمة، فيما تضررت نحو 600 خيمة بشكل جزئي، وقدر الدفاع المدني أعداد العائلات التي تضررت بأكثر من 1000.
عواصف مطرية
وتعرضت مناطق شمال غربي سوريا هذا الشتاء لعدة عواصف مطرية كان آخرها في 20 كانون الأول أدت لأضرار في حوالي 132 مخيماً غرق فيها حوالي 1250 خيمة بشكل جزئي أو كلي حيث كانت الاستجابة للمساعدة من فرق الدفاع المدني السوري فقط.
ووفق منظمة الخوذ البيضاء، فإن المأساة أكبر بكثير من الوصف، والاحتياجات في تلك المخيمات وخصيصاً العشوائية منها، تفوق قدرة المنظمات العاملة على الأرض، كما أن جميع الاستجابات إسعافية لا يمكنها أن تحل المشكلة بشكل كامل» ويبقى الخيار الأمثل وفق المنظمة، يتمثل بعودة المدنيين إلى ديارهم التي هجرهم منها النظامان السوري والروسي.
وفي السياق، قال تقرير أممي، الخميس، إن تساقط الثلوج بغزارة على مناطق شمال غربي سوريا يومي الثلاثاء والأربعاء، ألحق أضراراً بمواقع النزوح والخيام وممتلكات الناس.
وأوضح «مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)» في تقريره، أن المعلومات الأولية تشير إلى تأثر 22 موقعاً في محافظة حلب (بشكل رئيسي في منطقتي عفرين وأعزاز) و9 مواقع في محافظة إدلب (قضاء حارم بالأساس)، حيث تم الإبلاغ عن تضرر 362 خيمة و2124 فرداً (429 أسرة)، كما تضرر مخيم إبراز في عفرين بشدة وتم إجلاء العائلات إلى مأوى أكثر أماناً.
ووفقاً للأنباء، فقد توفي طفل في منطقة القسطل المقداد جراء انهيار سقف خيمة نتيجة تراكم الثلوج، بينما نقلت الأم إلى العناية المركزة، كما أدى الطقس البارد إلى انخفاضٍ حادٍ في درجة حرارة الجسم لدى طفلين في مخيمات في منطقة بلبل، كلاهما يتلقى العلاج في عفرين. وأشار التقرير إلى أن أكثر الحاجات إلحاحاً في تلك المناطق هي إعادة فتح الطرق للوصول دون انقطاع إلى المواقع، ونقل المتضررين إلى أماكن آمنة، وتأمين وسائل التدفئة، واستبدال الخيام المدمرة، وتوفير وجبات جاهزة للأكل وملابس شتوية للأطفال والعائلات.
وأكّدت «أوشا» أن منطقة عفرين شمالي حلب هي المنطقة الأكثر تضرراً، والحاجة الرئيسية الآن هي إلى تنظيف الثلج المتراكم بانتظام فوق الخيام من أجل تجنب الانهيار، حيث تم الإبلاغ عن تعرض عدد قليل من الخيام للتلف، وهي في حاجة إلى استبدال.
وتوقع التقرير الأممي أن يستمر تساقط الثلوج، «الأمر الذي يدفع إلى تمديد الاستجابة العاجلة إلى الأسابيع المقبلة، وما نخشاه هو الفيضانات المحتملة في المواقع عندما يذوب الثلج، إلا أننا نقيم على الأرض بشكل مستمر ويدرس الشركاء في المجال الإنساني إمكانية إعادة برمجة بعض الاستجابات الشتوية الجارية لاستهداف المواقع المتضررة»
وعلى مدى عشر سنوات تتكرر معاناة السوريين في المخيمات، العواصف الثلجية تدمر الخيام وتحاصر المخيمات وتمنع وصول الطعام والماء لها، والأمطار الغزيرة تغرق تلك الخيام، فيما يبقى العالم ينظر إلى مأساة المدنيين دون أي تحرك لإنهائها، والتي يجب أن تبدأ بمحاسبة المجرمين ممن هجر هؤلاء المدنيين وقصفهم، ثم إجراء حل سياسي يضمن عودة النازحين واللاجئين بشكل آمن إلى قراهم ومنازلهم.
ما الحل؟
ويقول الدفاع المدني في بيانه الأخير، إن «المأساة التي يعيشها النازحون لا يمكن حلها عبر تقديم الخدمات للمخيمات ولا بناء مخيمات إسمنتية فمعاناتهم أعمق من مجرد السكن، كما أن توطين النازحين في المخيمات ليس بحل، وهو انتقاص من حق المدنيين في العيش الآمن في منازلهم، إنما الحل الجذري والوحيد يكون في توفير الأمان للمدنيين للعودة إلى مساكنهم وعندها تتضاءل الحاجة للدعم الإنساني والإغاثي».
وطالبت منظمة الخوذ البيضاء، المجتمع الدولي بالضغط على النظام وروسيا، وعدم الاكتفاء بالتعامل مع معالجة بعض النتائج الكارثية للتهجير دون إنهاء المشكلة ومحاسبة النظام على جرائمه وإعادة المهجرين والنازحين، وإيجاد حل سياسي وفق القرار 2254 يضمن العيش بسلام والعودة الآمنة لجميع المدنيين وينهي الآلام التي يعانيها السوريون في مخيمات القهر.
“القدس العربي”