نداء بوست – نيويورك تايمز – ترجمات
بينما تنكفئ الولايات المتحدة باتجاه الداخل، يُطالعنا العديد من الدراسات الجديدة من ناشرين أكاديميين مثل النشرات الإخبارية عن صراعات صغيرة في الخارج.
فمنذ أوائل عام 2014، قُتل 13000 شخص في القتال بين الانفصاليين الروس والأوكرانيين في منطقة “دونباس” الصناعية، وتشرد ما يقرب من مليونَيْ شخص، وفقاً لما أفاد به أحد المساهمين في مجموعة أكاديمية جديدة، الحرب في “دونباس” الأوكرانية: الأصول والسياقات، والمستقبل، من تحرير ديفيد ماربل، المؤرِّخ في جامعة “ألبرتا”.
إن القتال هناك اتَّسمَ بخطوط غير واضحة بين القوات النظامية وغير النظامية، مع وجود وحدات عسكرية تقليدية في بعض الأماكن ومقاتلين وميليشيات ومرتزقة في أماكن أخرى؛ كما يتم أيضاً خلط عناصر إضافية، مثل الهجمات الإلكترونية والمقاتلين الأجانب. وبينما ركّزت الجيوش الغربية بشكل متزايد على استخدام الأسلحة الدقيقة في السنوات الأخيرة، عانت البلدات في شرق أوكرانيا من ضربات غير دقيقة بالمدفعية وقذائف الهاون، حتى في المناطق المدنية.
مثل الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، وجدت روسيا أن استخدام المتعاقدين العسكريين الخاصين -أي المرتزقة- في أوكرانيا كان مفيداً في تقليل التأثير السياسي للخسائر. ويصف بعض الخبراء العسكريين هذا النهج المختلط للصراع بأنه “حرب مختلطة”، ويعتبرونه أحد سِمَات عصرنا.
في إطار إجراءات المتابعة، تدخَّلت روسيا في سورية أواخر عام 2015، ونشرت ما لا يقل عن 500 من قُدَامى المحاربين في القتال الأوكراني. وكان الغرض من التوغّل الروسي في سورية إلى حد كبير تأكيد مكانتها كـ “قوة عظمى”، كما يؤكد أوهانيس جيوكجيان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، في “التدخل العسكري الروسي في سورية”.
وقد كان أحد أسباب إطلاق فلاديمير بوتين لصواريخ كروز على سورية من السفن في بحر قزوين هو إظهار مدى وصول القوة العسكرية الروسية، على حد قوله كما ساعدت حملة جوية وبرية روسية لاحقة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد المهدد بالسقوط. وفُوجئت بالدرجة التي بدأت عندها روسيا وتركيا وإيران في التعاون في سورية، حيث تعمل القاذفات الثقيلة الروسية من قاعدة في غرب إيران، والطائرات التركية والروسية تشنّ غارات جوية مشتركة في شمال سورية.
ومع تقليص الولايات المتحدة لوجودها العسكري في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، يخلص جيوكجيان إلى أن “الفراغ ملأته روسيا وإيران، السادة الجدد في المنطقة”.
وفي كتاب مُشابِه من تأليف آنا بورشيفسكايا، زميلة بارزة في معهد واشنطن، يشير إلى نفس النقطة في عنوانه: “حرب بوتين في سورية”: السياسة الخارجية الروسية وثمن غياب أمريكا، كما تُقدم بورشيفسكايا أيضاً واحدة من أكثر الجمل ديمومة في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية بالقول إن: “الولايات المتحدة تخلّت عن الأكراد”.
وتثير الرواية المقدَّمة في كتاب آخَر التساؤلَ عن مدى وجود مثل هذه الصراعات “الهجينة” الجديدة حقاً. ويقدم جيانغلين لي، في كتابه “عندما يطير الطير الحديدي: حرب الصين السرية في التبت” العديد من التفاصيل المذهلة حول كيفية قيام الحزب الشيوعي الصيني بقمع التبتيين من عام 1956 حتى عام 1962.
إن عمل “لي”، الباحث المستقل المولود في الصين، له جانب من قصة بوليسية؛ لأن الحكومة الصينية لم تكشف أبداً عن الكثير مما حدث. وتشير إلى أن التاريخ الرسمي لجيش التحرير الشعبي المكون من 10 مجلدات والذي نُشر في عام 2000 احتوى على جملتين فقط حول حملات التبت. واستنتج “لي” أن 456000 تبتيّ ربما قُتلوا أو أُسروا.
وقد بدأت المقاومة التبتية تجميع الحزب الشيوعي والحملات المناهضة للدين في مناطق التبت في “سيتشوان” وغيرها من المقاطعات الصينية الغربية. واستخدمت القوات الصينية قذائف الهاون وقطع المدفعية والأسلحة الحديثة الأخرى، بينما قاتل التبتيّون بالبنادق المصنوعة من الصوان، وأحياناً حتى بالسيوف والرماح والصخور.
هل أي من هذا مُهِمّ الآنَ، بعد عقود؟ أعتقد ذلك. عندما قرأت دراسة “لي”، فكرت في حملة الحكومة الصينية الحالية على الأويغور في أقصى شمال غرب الصين. أظن أن العديد من الدروس التي تعلمها الحزب الشيوعي في التبت يتم تطبيقها الآن.
وربما يقول شخصٌ ما في منطقة نائية بغرب الصين شيئاً مشابهاً لما قاله التبتيّ العجوز الشجاع للمسؤولين الصينيين عندما وقف في تجمُّع حاشد في “سيتشوان” في عام 1956. هذه التصريحات تستحق الاستشهادَ بها مطولاً لأنها واضحة للغاية ومؤثرة وعالمية.
تبدأ بـ: “اسمي شانام ما و أنا رجل فقير وكبير في السن، كما ترون جميعاً. هناك بعض الأشياء التي يجب أن تُقال هنا اليوم ومن الأفضل أن أقولها. بما أنني فقير، ليس لدي ما أخسره؛ وبما أنني كبرت، فالموت سيأتي قريباً على أية حال. لديّ ما أقوله لكم أيها الصينيون. فمنذ أن دخلتم أرضنا، ونحن بالكاد نستطيع تحمُّل سلوككم، ما الذي يعنيه أنكم ستعطوننا الأرض؟، في حين أن كل الأرض التي يمكنكم رؤيتها من حولكم كانت ملكنا منذ بداية الزمان؟ لقد أعطاها أسلافنا لنا، ولا يمكنكم إعطاؤها لنا مرة أخرى. مَن أعطاكم الحق في شق طريقكم إلى بلدنا وفرض أفكاركم غير العقلانية علينا؟ نحن تبتيون وأنتم صينيون. ارجعوا إلى منازلكم وإلى شعبكم. نحن لا نحتاجكم هنا”.
بعد بضعة أيام، أفاد “لي” أنه تم تنظيم مسيرة خاصة للتنديد بالرجل العجوز، وتعرَّض للضرب حتى الموت.