مايكل كوفمان* – (الإيكونوميست) 23/2/2022
نشرت مجلة “الإيكونوميست” هذا التحليل قبيل اندلاع القتال في أوكرانيا. وفيه يقرأ الخبير في الشأن الروسي والمحلل الاستراتيجي، مايكل كوفمان، الخطوة الروسية ومقدماتها ووجهاتها المحتملة.
وهو يرى أن السيناريوهات التي تنطوي على قتال محدود فقط ليس لها الكثير من المعنى عسكرياً.
* * *
بعد خطاب طويل منذر بالسوء، اختار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتراف باستقلال جمهوريتي لوهانسك ودونيتسك الانفصاليتين في شرق أوكرانيا، في 21 شباط (فبراير).
وبعد ذلك بوقت قصير، زحفت القوات الروسية على أوكرانيا علانية. ومع ذلك، فإن هذا القرار يؤذن ببداية مرحلة جديدة أكثر من كونه يضع نهاية للمواجهة الحالية.
لا يفعل قرار السيد بوتين أي شيء لجلب الرضا من المظالم العديدة التي فرضها الزعيم الروسي على كييف أو لتحقيق مطالبه بضمانات أمنية من حلف الناتو في الأشهر الأخيرة.
فالقوات الروسية موجودة مسبقاً في منطقة دونباس الأوكرانية منذ ثماني سنوات.
وفي الواقع، من خلال الاعتراف الرسمي بالجمهوريتين الانفصاليتين يكون بوتين قد تخلى عن نفوذه الرئيسي في أوكرانيا: احتمال استخدام الانفصاليين لترسيخ النفوذ الروسي على سياساتها.
ولذلك، فإن الاعتراف الروسي هو جزء من حيلة أكبر للاحتفاظ برأي حول التوجه الاستراتيجي والسياسات المحلية لأوكرانيا.
يشير تطور هذه الأزمة، والمظالم التي يعبر عنها بوتين، والتصرف الحالي للقوات الروسية إلى بدء لعبة أكثر أهمية في أوكرانيا، بأهداف كبرى.
ويبدو أن مزاعم الكرملين الأخيرة بشأن استمرار التصعيد، وأن الجنود الأوكرانيين عبروا الحدود إلى الأراضي الروسية، هي جزء من عملية ترتيب حادث مدبّر، في إطار بناء القضية لشن حرب أكبر.
ويعطي الاعتراف بلوهانسك ودونيتسك، والمصادقة اللاحقة من مجلس الاتحاد، مجلس الشيوخ في الهيئة التشريعية الروسية، التخويل لموسكو باستخدام القوة في الخارج.
ويوفر هذا القرار رسميًا الأساس القانوني والسياسي للعمل العسكري في أوكرانيا، ويمكن لموسكو استخدام القوة على نطاق أوسع الآن إذا اتهمت أوكرانيا بالعدوان على الدويلات المستقلة حديثًا.
قد تكون الحرب الجديدة مختلفة تمامًا عن الهجمات الروسية السابقة خلال صيف العام 2014 وشتاء 2015.
وقد أسفرت تلك المعارك عن وقفين لإطلاق النار، مينسك 1 ومينسك 2، اللذين فُرضا على أوكرانيا تحت تهديد السلاح، ولكن من المسلم به على نطاق واسع في موسكو أن تلك الصفقات كانت بمثابة إخفاقات ولم تحقق أهداف روسيا السياسية.
وسوف يأتي تكرار مثل هذه العمليات -خوض حروب محدودة لإجبار أوكرانيا على الدخول في صفقة- بتكلفة اقتصادية باهظة في مقابل عدم جني فائدة ملموسة.
وقد تحسنت القوات المسلحة الأوكرانية وتوسعت بشكل كبير منذ العام 2014.
وسوف تؤدي حرب صغيرة تقتصر على دونباس إلى خسائر أكبر اليوم، من دون احتمالات جيدة لتحقيق أي أهداف سياسية ذات معنى.
اقرأ المزيد في ترجمات
وإذا كانت روسيا تسعى إلى تحقيق نصر سريع وحاسم، فسيتعين عليها بالتالي توسيع نطاق الصراع بشكل كبير -وكذلك أنواع القوات التي تنشرها في القتال.
نشرت روسيا أكثر من 150 ألف جندي لمحاصرة أوكرانيا من بيلاروسيا في الشمال إلى شبه جزيرة القرم في الجنوب.
وإلى جانب القوات التي تقودها روسيا في دونباس، والقوات المساعدة، بما في ذلك الحرس الوطني الروسي، قد يتجاوز هذا الرقم 190.000 ألف مقاتل.
وهذه القوات البرية مدعومة بمئات الطائرات التكتيكية وطائرات الهليكوبتر الهجومية المنتشرة في الخطوط الأمامية والبحرية الروسية.
وليست هذه قوة تُستخدم في حملة محدودة، وإنما قوة مصممة لمتابعة أهداف سياسية متطرفة.
سوف تسعى روسيا إلى محاصرة وعزل القوات الأوكرانية في جيوب من الأراضي، وإجبارها على الاستسلام، ومحاولة فرض تغيير للنظام في كييف.
يشير الترتيب الروسي للقوات إلى أن هيئة أركانها العامة تعتزم تنفيذ حركتي كماشة رئيسيتين داخل أوكرانيا.
سوف تتقدم القوة الصغرى منهما من الشمال نحو العاصمة كييف.
وسيسعى الهجوم الأكبر إلى محاصرة القوات الأوكرانية بالقرب من دونباس.
وقد تعمل الوحدات التي تقودها روسيا هناك كقوة تثبيت، بينما ستتقدم المجموعة الروسية الرئيسية من الشمال الشرقي عن طريق خاركيف ومن شبه جزيرة القرم في الجنوب.
وفي هذا السيناريو، ستحاول موسكو حرمان القوات الأوكرانية من القدرة على تنفيذ انسحاب منظم إلى تضاريس أكثر قابلية للدفاع عنها غرب نهر دنيبر.
سوف تبدأ هذه الحرب بضربات جوية وضربات صاروخية وباستخدام الحرب الإلكترونية والهجمات السيبرانية.
وسيكون هدفها هو إضعاف وتفتيت وشل القوات المسلحة الأوكرانية إلى جانب قيادتها السياسية.
وستكون هذه الحملة الجوية قصيرة، يليها هجوم بري مشترك بمختلف أنواع الأسلحة.
وتتكون القوة البرية الروسية من جيش مدفعي بدبابات وقوات مشاة آلية.
وهي تؤكد بذلك على الاستخدام الحاسم للقوة النارية.
وستدعم هذه التشكيلات مروحيات هجومية وقاذفات تكتيكية وألوية صاروخية.
وسوف تزيد هذه العناصر الداعمة بشكل كبير من فعالية التشكيلات البرية الروسية في القتال.
على الرغم من أن القوات المسلحة الأوكرانية قد تحسنت منذ القتال في 2014-2015، فقد تحسنت كذلك القوات المسلحة الروسية.
وتتألف الوحدات المحيطة بأوكرانيا إلى حد كبير من جنود متعاقدين -جنود محترفين، وليس مجندين- بمستويات عالية من الجاهزية، ومعدات محدثة وضباط عركتهم المعارك في العديد من النزاعات، مثل الحرب في سورية.
ويعاني الجيش الأوكراني من نقص في عدد الأفراد ومن سوء الإمداد، وهو عديم الخبرة في حرب المناورة. ولذلك تتمتع القوات الروسية بتفوق كمي ونوعي كبير.
ثمة الكثير من الأمور المشروطة بالظروف والتطورات في الحرب، لكن آفاق أوكرانيا قاتمة في الاشتباك في قتال تقليدي، حتى مع الأسلحة التي يزودها بها الغرب.
قد تتحول قواتها إلى حرب أنصار، أو أنها قد تنتقل إلى المدن.
وقد يكون هذا الخيار الأخير قرارًا صعبًا لأن حرب المدن شديدة التدمير.
وربما تأمل موسكو في تنظيم قوات أمن محلية، أو في احتواء النخب السياسية لتجنب الانجرار إلى قتال في المدن.
وقد تكون القوة الروسية الحالية كافية لاحتلال المناطق الشرقية في أوكرانيا والعاصمة، ولكن إذا اعتقد القادة الروس أنهم قادرون على السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد، فمن المحتمل أنهم سيكونون بصدد السير إلى مواجهة تمرد طويل.
على الرغم من أن موسكو هي التي تتمتع بالميزة عسكرية، فإن التصريحات الروسية بشأن أوكرانيا تشير إلى أن الكرملين يعاني من درجة عالية من تفاؤلية الحرب -وهو خطأ شائع ارتكبه المعتدون عبر التاريخ.
فهذه الصراعات تميل إلى أن تطول وتستمر إلى ما بعد الحملة الأولية، أو أنها قد تتصاعد إلى حروب إقليمية.
ولم تكن تجربة أميركا في العراق انحرافا عن قاعدة.
إن استخدام القوة هو دائماً مقامرة. وإذا مضى بوتين قدماً في ما ينوي فعله، فإنها ستكون أكبر مقامرة يخوضها حتى الآن.
*مايكل كوفمان Michael Kofman: هو مدير برنامج الدراسات الروسية في “سي. إن. إيه”، وهي منظمة أبحاث دفاعية أميركية.
*نشر هذا التحليل تحت عنوان: Michael Kofman, an expert on Russia’s armed forces, explains why the Kremlin will seek regime change in Ukraine
“الغد”