الحرب في أوكرانيا وعليها تزداد احتداماً. ثمة مؤشرات إلى أنها تزداد توسعاً أيضاً. متطوعون، كما مرتزقة من شتى دول غرب أوروبا، باتوا يقاتلون إلى جانب القوات المسلّحة الأوكرانية. في المقابل، وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أطلع الرئيس فلاديمير بوتين، أثناء انعقاد مجلس الأمن القومي، على معطيات تفيد برغبة آلاف المتطوعين من دول مختلفة، بالمشاركة في القتال إلى جانب القوات الروسية، وأن القسم الأعظم من هذه الطلبات جاء من الشرق الأوسط وبلغ 16 ألف طلب.
بوتين وافق على مبادرتهم «شرط أن تكون على أساس تطوعي وليس مقابل المال». الخبير العسكري الروسي فلاديمير يفسييف فسّر مسألة المتطوعين من الشرق الأوسط بأنها «تحمل طابعاً سياسياً، إذ لا تحتاج روسيا إلى دعم عسكري لتثبت أن جهود الغرب في عزلها فشلت». الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعلن في مقطع فيديو «إنها حرب مع عدو عنيد جداً… قرر استخدام قتلة من سوريا ضد مواطنينا».
وزارة الخارجية الأمريكية اعتبرت أن إشراك روسيا لسوريين في الحرب هو «تصعيد خطير في الحرب». الرئيس جو بايدن أعلن، في أحدث خطوة، أنه سيجرّد روسيا من الحقوق العادية، بموجب قواعد التجارة العالمية المعروفة باسم «الدولة الأَولى بالرعاية». كيف ستردّ سوريا على أمريكا إذا ما أقدمت على إيذائها ؟ أمريكا كانت قد أقامت قواعد عسكرية لها في محافظة الحسكة السورية، وتقوم بدعم قوات «قسد» العائدة لفريق من الكرد السوريين الناشطين ضد الحكومة المركزية في دمشق؟ وكيف تردّ أيضاً على أمريكا، التي أقامت قاعدة عسكرية في التنف على مقربة من الحدود مع كلٍّ من العراق والأردن، وتقوم بدعم مقاتلين لتنظيم «داعش» الإرهابي الناشط في بادية الشام، وقد اودى أخيراً بحياة 13 جندياً سورياً كانوا ذاهبين للمبيت؟ هل تغتنم سوريا فرصة انهماك أمريكا بمتاعبها الاقتصادية الناجمة عن تفاقم التضخم على نحوٍ غير مسبوق في الداخل، وتفاقم مخاطر الحرب في أوكرانيا على حلفائها في غرب أوروبا المتخوّفين من مضاعفاتها على الاتحاد الأوروبي، ومن مطالبة أمريكا لهم بفرض عقوبات على روسيا، ليس أقلها قطع إمدادات الطاقة، خصوصاً الغاز الذي يشكّل مصدراً رئيساً للطاقة لدى عدّة دول، لاسيّما ألمانيا؟ هل تغتنم سوريا متاعب دول أوروبا وأمريكا على ضفتي المحيط الأطلسي لفتح النار مباشرةً، أو مداورةً على قواعد أمريكا وقواتها في شمال شرق سوريا، أو في جنوب شرقها؟ أم تراها تطالب روسيا التي تحظى بقاعدة بحرية وأخرى جوية على الساحل في غرب سوريا، بمدها بصواريخ باليستية بعيدة المدى، وأخرى أكثر تطوراً للدفاع الجوي بغية الردّ بفعالية أشد على غارات إسرائيلية متكررة على مواقع للجيش السوري، بدعوى وجود قوات إيرانية فيها، ما يتسبّب في أحيان كثيرة باستهداف أحياء سكنية ومقتل مدنيين سوريين؟
وزارة الخارجية الأمريكية اعتبرت أن إشراك روسيا لسوريين في الحرب هو «تصعيد خطير في الحرب»
في لبنان، تبدو الحكومة مرتبكة ومتلكئة عن اتخاذ موقف حاسم من العرض الأخير الذي تقدّم به الموفد الأمريكي (المجنّد السابق في الجيش الإسرائيلي) عاموس هوكشتين، بصدد ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة؟ الجدير بالذكر أن الفارق بين مساحة لا تقلٌ عن 1780 كيلومتراً مربعاً، تقع بين الخط الوسطي الذي كان اقترحه الوسيط الأمريكي السابق فردريك هوف قبل عشر سنوات، ورفضه لبنان، والخط 29 الذي اعتمده الجيش اللبناني، نتيجةَ دراسة وضعتها بتكليف منه شركة بريطانية مختصة، والمساحة المعروضة على لبنان وفق عرض هوكشتين هو حوالي 50 كيلومتراً مربعاً فقط، ومع ذلك ما زالت المنظومة الحاكمة مرتبكة ومتلكئة عن اتخاذ قرار حاسم برفض عرض هوكشتين. غير أن التحدي الأشد خطورة يتمثل بإعلان «إسرائيل» انها ماضية في خططها الرامية إلى التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما من المنطقة المتنازع عليها مع لبنان، وأن باخرة لنقل الإنتاج ستتوجه قريباً من سنغافورة إلى «إسرائيل» لنقل النفط والغاز من حقل «كاريش» الذي يقع قسم منه ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية. ومع ذلك، فإن الحكومة اللبنانية لم تُقدِم حتى الآن على تعديل المرسوم 6433/2011 وإيداع الأمم المتحدة إحداثيات الخط اللبناني السيادي 29 بغية المحافظة على حقوق لبنان وفق أحكام قانون البحار. هل يردّ لبنان إذا ما نفذت «إسرائيل» تهديدها بمباشرة نقل نتاج حقل «كاريش» من النفط والغاز في الربع الثالث من العام الحالي؟ الحقيقة أن هذا السؤال ليس مطروحاً على المنظومة الحاكمة فحسب، بل على القوى الوطنية الحيّة أيضاً بكل ألوانها ومرتجياتها عشيةَ الانتخابات النيابية المقررة في منتصف شهر أيار/مايو المقبل. فهل تراها تتجاوز انقساماتها التقليدية المحزنة وتعبئ قدراتها للضغط على أهل النظام ومنظومته الحاكمة، بغية اتخاذ القرار الوطني المرتجى في هذا المجال أم تبقى حبيسة حالها المزرية الراهنة؟ وإذا حزمت أمرها وقررت الارتقاء إلى مستوى الأخطار المحدقة بموارد لبنان من النفط والغاز وحقوقه السيادية في أرضه ومياهه الإقليمية، هل تراها تضغط ليكون ردّ لبنان من الجيش والمقاومة اللبنانيين القادرين معاً بالتأكيد على تهديد «إسرائيل» بتدمير منشآتها النفطية البحرية إذا ما ركبت رأسها وقررت السطو على موارد لبنان البحرية وحقوقه السيادية؟ وهل لدى أحد من أهل القرار في الحكم والمعارضة شكّ في أن «إسرائيل» ستتراجع بلا تردد عن تنفيذ اعتدائها إذا ما جرت مواجهتها بقرار ردٍّ حاسم من الجيش والمقاومة معاً؟
كاتب لبناني
“القدس العربي”