المصدر: ميدل إيست آي
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: كريستوفر فيليبس
اللاجئون السوريون مُعرَّضون لخطر النسيان. لقد فتحت مُعظم الحكومات الغربية، ذراعيها لتستقبل 5.3 مليون لاجئ فرّوا من أوكرانيا، وقدّمت لهم المنازل والدعم خلال الصراع.
ولكن بالرغم من أنه قام الكثيرون بالفرار من الحرب في سورية قبل عقد من الزمن، إلّا أن معظم الحكومات الأجنبية كانت أقل ترحيباً بهم.
وبدلاً من ذلك، يواجه العديد من اللاجئين السوريين حياة كئيبة. فهم مُهمّشون في المجتمعات المضيفة وما زالوا خائفين من العودة إلى سورية. ومع قطع الحكومات الغربية الدعم المالي، قد تصبح آفاق اللاجئين السوريين أكثر قتامة في القريب العاجل.
إن أعداد اللاجئين السوريين كبيرة. فمن بين سكان ما قبل الحرب البالغ عددهم حوالي 23 مليون نسمة، اضطر أكثر من نصفهم إلى الفرار من ديارهم. وفرّ أكثر من ستة ملايين ونصف المليون من سورية إجمالاً، وأغلبهم، 5.6 مليون، يقيمون في بلدان قريبة من سورية.
العدد الأكبر، البالغ 3.6 مليون، موجود في تركيا، في حين أن 1.5 مليون في لبنان (أدى لزيادة عدد السكان بنحو 40٪) و660.000 في الأردن.
خلافاً للاعتقاد الشائع، يعيش واحد فقط من بين كل عشرين شخصاً في مخيم للاجئين، لكن الكثيرين يعانون مالياً. تقدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أكثر من مليون شخص لديهم موارد مالية قليلة أو معدومة، بينما يعيش تسعة من كل عشرة في لبنان في فقر مُدقع.
الخوف من الانتقام
هناك احتمالية ضئيلة لعودة هؤلاء اللاجئين إلى ديارهم قريباً. فقد فرّ معظمهم من نظام بشار الأسد المتوحّش، الذي استعاد الآن السيطرة على معظم سورية، ويخشى هؤلاء اللاجئون الانتقام إذا عادوا. حتى لو كان الوضع أكثر ملاءمة، تُظهر الأبحاث أن الأمر يستغرق سنوات حتى يعود اللاجئون، والكثير منهم لن يعود أبداً.
لكن الوضع في المجتمعات المضيفة لهم يزداد سوءاً. ففي لبنان، لا يُمنح اللاجئون وصولاً رسمياً إلى الاقتصاد، في حين أن الوظائف في الأردن مُقيدة بالنسبة للسوريين. كانت تركيا الدولة المضيفة الأكثر استيعاباً، حيث كان اللاجئون قادرين على الوصول إلى سوق العمل والتعليم، لكن هذا أثار ردّ فعل اجتماعياً، وازداد على إثره العداء تجاه اللاجئين.
ومع ذلك، كانت الحكومات الغربية تقطع دعمها. فقد كانت المملكة المتحدة واحدة من أسوأ الجُناة. فـكجزء من تعهد المستشارة ريشي سوناك بخفض المساعدات الدولية من 0.7 في المائة إلى 0.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، تم تخفيض ميزانية مساهمة وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية في سورية بنسبة 67 في المائة.
بينما كان الاتحاد الأوروبي قادراً في العام الماضي على حشد المانحين الدوليين لسد أي نقص في التمويل، هناك مخاوف من أن التركيز على أوكرانيا والسأم العام تجاه سورية ولاجئيها سيؤدي إلى تراجُع دائم في الدعم.
هناك اعتراضات أخلاقية ضد هذا الإهمال، لا سيما بالنظر إلى أن العديد من الحكومات التي سحبت أموالها، مثل المملكة المتحدة، كانت لاعباً نشطاً في الحرب في سورية.
ولكن إذا لم يُقنِع ذلك صانعي السياسة بتغيير المسار، فربما تقنعهم المشاكل الأمنية. تُظهر الأبحاث أن اللاجئين غير المندمجين في المجتمعات المضيفة لهم، كما هو الحال بالنسبة للسوريين في لبنان والأردن وإلى حدّ ما في تركيا، هم أكثر عرضة لعسكرة الدولة المضيفة لهم وزعزعة استقرارها.
يُقدّم تاريخ الشرق الأوسط الحديث للأسف عدة أمثلة على ذلك. فقد انضمّ اللاجئون الفلسطينيون المُهمّشون إلى حركة فتح والجماعات المُسلّحة الأخرى التي ساهمت في الحرب الأهلية في أيلول/ سبتمبر الأسود عام 1970 في الأردن.
وبالمثل، انضم الفلسطينيون المُستبعدون في لبنان، والذين تم تقييدهم بشكل أكبر، إلى جماعات وميليشيات للقتال في الحرب الأهلية اللبنانية من 1975 إلى 1990. وفي أماكن أخرى، جنّدت طالبان بشكل كبير من اللاجئين الأفغان الساخطين الذين يعيشون في باكستان لتمكينهم من انتصارهم العسكري في عام 1996.
تهديد أمني
هذا لا يعني أن أي لاجئ سوري يفكر حالياً في حمل السلاح ضد الحكومة المُضيفة، أو أن هذه الحكومات يجب أن تعتبرهم تهديداً أمنياً مُحتملاً. ومع ذلك، فقد أظهر التاريخ أن ترك اللاجئين بدون دعم لفترة طويلة من الزمن من المرجح أن يدفع البعض إلى العسكرة.
في الحالة السورية، هناك خطر إضافي من الجهادية المُتطرّفة، والتي قد تجد مُجنّدين مُتحمّسين بين جيل نشأ في المنفى الفقير.
لمنع ذلك، من الناحية المثالية، ستبذل الحكومات المزيد من الجهود لحلّ الأزمة السورية وإيجاد طريقة لعودة اللاجئين بأمان إلى ديارهم. ومع ذلك، فقد أظهر العقد الماضي أنه لا أحد على استعداد لتخصيص الموارد الاقتصادية أو العسكرية اللازمة.
وبدلاً من ذلك، ربما ينبغي الاعتراف بأن العديد من اللاجئين السوريين لن يعودوا إلى ديارهم في أي وقت قريب وأن الحكومات التي تستضيفهم بحاجة إلى
مزيد من الدعم
على الأقل، يجب أن يستلزم ذلك عكس التخفيضات الأخيرة في المساعدات وضمان عدم صرف انتباه أوكرانيا عن أزمة اللاجئين السوريين المستمرة. ولكن سيكون من الحكمة أيضاً أن تبذل الحكومات الأجنبية جهوداً جادّة لمساعدة الحكومات المضيفة على الاندماج المناسب للاجئين. هذا صحيح بشكل خاص في لبنان والأردن، حيث يعاني اقتصاد البلدين وبالكاد يستطيعان إعالة سكانهما.
على الرغم من أن الحكومات الغربية لديها الموارد اللازمة للقيام بذلك، فمن غير المرجح للأسف أن تفعل ذلك في ضوء أولويات المساعدات الأخيرة وتركيزها على أوكرانيا.
بدلاً من ذلك، من الأفضل للحكومات الإقليمية الثرية، لا سيما المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، إعادة النظر في مشاركتها مع اللاجئين وتعزيزها.
قد تفتقر مشاريع دعم اللاجئين إلى بريق مشاريع السياسة الخارجية الأخرى، لكنها يمكن أن تتجنب من خلال ذلك الدعم تهديداً أمنياً في المستقبل مع ضمان قدر أكبر من الاستقرار الإقليمي في المنطقة.
“نداء بوست”