نشر موقع “بوليتيكو” تقريرا أعدته ليلي باير، قالت فيه إن معارضة تركيا لانضمام كل من فنلندا والسويد لحلف الناتو، تهدف لتحقيق نقطتين، الأولى: دفع الولايات المتحدة للموافقة على شراء مقاتلات عسكرية، والثانية هي تسجيل نقطة في السياسة الداخلية التركية.
وأضافت الكاتبة أنه وبرغم اللهجة المتشددة من الرئيس رجب طيب أردوغان، فإنه في النهاية سيعطي الضوء الأخضر لانضمام فنلندا والسويد للناتو، لكن يجب على التحالف العسكري أن يدفع الثمن أولا.
وعارضت أنقرة انضمام البلدين الأوروبيين، والمضي قدما في طلب العضوية. واتهم المسؤولون الأتراك السويد وفنلندا بدعم “الإرهابيين” الأكراد، وعبروا في الوقت نفسه عن قلقهم من حظر تصدير السلاح إلى بلدهم. وقال مسؤول تركي بداية هذا الأسبوع: “الناتو هو حلف أمني، ولن توافق تركيا على تعريض هذا الأمن للخطر”. لكن مسؤولين حاليين وسابقين ودبلوماسيين، يرون أن دوافع تركيا أبعد من رغبتها في رؤية تغيير في سياسة كل من ستوكهولم وهلنسكي. فأردوغان يخوض مفاوضات مع الولايات المتحدة لشراء مقاتلات عسكرية. وربما وجد فرصة للحصول على نقاط في الداخل عبر التلويح بالإرهاب.
وفي هذا الوقت، يقوم الدبلوماسيون الأتراك بنشاط للبحث عما يريده أردوغان للموافقة ولماذا لا يريد فنلندا والسويد في حلف الناتو، مما سيطيل الملف ويمنح روسيا فرصة للتدخل قبل الموافقة على طلبهما. وقال الأمين العام السابق للناتو، ياب دي هوب شيفر: “الثمن غير معروف في الوقت الحالي، ولكن من الواضح أن هناك ثمنا”. ورغم دعم تركيا توسع الناتون إلا أن أردوغان لديه سجل في استخدام الحلف للحصول على تنازلات. ففي عام 2009، عارضت تركيا تعيين فوغ رامسوسين كمسؤول للحلف، ووافقت بعد ذلك في أعقاب مفاوضات طويلة غيّر أردوغان فيها موقفه. وحصلت تركيا كما يقول دي هوب شيفر “على جائزة مساعد الأمين العام للناتو”. وقدمت فنلندا والسويد طلبات عضوية، مما منح أردوغان فرصة أخرى لاستثمار نظام الإجماع في الحلف، وكذا تعبئة قاعدته للانتخابات الرئاسية في العام المقبل.
وقال دي هوب شيفر، إن عوامل عدة تقف وراء مناورة تركيا، منها السياسة الداخلية. فأردوغان عادة ما يعتمد في خطابه الجذاب على مهاجمة الإرهاب وحزب العمال الكردستاني “بي كي كي”. وتعتبر تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي “بي كي كي” منظمة إرهابية. ورغم رؤية البعض في أوروبا والولايات المتحدة للتصنيف على أنه قديم وفقد مفعوله، إلا أن أردوغان يستخدم الجماعة على أنها صرخة لتعبئة جماهيره.
وقال الأمين العام السابق للناتو: “بإمكانك حشد قطاع كبير من الناس عندما تربط الإرهاب ببي كي كي”. أما الثاني، حسب دي هوب شيفر، هو أن دخول فنلندا والسويد “سيغير ميزان القوة السياسية داخل الناتو، لأن الدولتين الجديدتين لديهما قوة عسكرية كبيرة” وستزيدان من دفاعات الحلف، ويمكن لفنلندا أن تضيف للقوة البحرية في منطقة البلطيق والقطب الشمالي، حيث عبّرت روسيا عن رغبة في توسيع مدى تأثيرها. ولدى السويد أيضا قوة جوية متقدمة.
وهناك قضية أخرى محل خلاف بين تركيا والولايات المتحدة، وهي صفقة المقاتلات العسكرية. وظلت أنقرة على مدى سنوات زبونا موثوقا للشركات الدفاعية الأمريكية، واشترت منها عددا من مقاتلات إف- 16. ولاحقا عبّرت عن اهتمام بمقاتلات أف-35، إلا أن العلاقات ساءت بسبب شراء تركيا منظومة أس-400 الدفاعية الروسية، وهو قرار قالت الولايات المتحدة إنه يعرّض أمنها والناتو للخطر.
وردّت واشنطن بطرد تركيا من برنامج أف-35 وفرضت عقوبات على الصناعة الدفاعية التركية. وبدأت أنقرة بالتركيز على الصناعة العسكرية وتطوير طائراتها، ولكنها تريد تحديث أسطولها من مقاتلات إف-16 وشراء أخرى. وقدمت طلبا بذلك منذ أشهر، حيث بات محلا للنقاش والمراجعة في إدارة بايدن والكونغرس.
ويرى دي هوب شيفر أن “الثمن قد يكون رفع الحظر عن بيع مقاتلات إف-16”. ويبدو أن الولايات المتحدة ميالة لدفع الثمن، ودعمت وزارة الخارجية بشكل مبدئي طلب تركيا. وكان الموضوع محل تساؤل في اللقاء الذي تم الأربعاء بين أنطوني بلينكن، ووزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو. وألمح أوغلو إلى أن عضوية الناتو ربما كانت جزءا من الحل.
وفي حديثه مع بلينكن، قال أوغلو إنه يتفهم مظاهر القلق الأمنية لكل من السويد وفنلندا و”لكن يجب الاستجابة لمظاهر القلق الأمنية التركية أيضا، وهو موضوع علينا مناقشته بشكل مستمر مع الأصدقاء والحلفاء بمن فيهم الولايات المتحدة”. وربما اشتمل هذا صفقة إف-16. وفي تصريحات نقلتها الصحافة التركية، أكد أوغلو على أن المفاوضات تسير بإيجابية مع الولايات المتحدة.
وفي هلنسنكي، هناك شعور بأن المواجهة ربما ارتبطت بالخلاف مع الولايات المتحدة. وقال مسؤول فنلندي طلب عدم ذكر اسمه: “لدى فنلندا علاقات جيدة مع تركيا وتشترك معها بأهداف مكافحة الإرهاب” و”لا أعتقد أن علاقاتنا هي مشكلة، كل هذا عبارة عن خلافات تركية مع الولايات المتحدة”. ويرى محللون أن موضوع “بي كي كي” يظل القضية الرئيسية لتركيا مع فنلندا والسويد. وقال سنان أولغين، الدبلوماسي التركي السابق، والباحث في مركز كارنيغي أوروبا: “لا يمكننا حل المشكلة” عبر ترطيب أجواء العلاقات الأمريكية- التركية، وربما تساهم في تسريع عملية الانضمام و”لا طريقة للفرار” من معالجة السويد وفنلندا مشكلة الجماعات الكردية.
ويرى أولغين أن المفاوضات مع السويد قد تكون أصعب من فنلندا، فـ”هناك توقعات كبيرة من السويد” واصفا النهج السويدي بـ”المستامح مع نشاطات تقول تركيا إنها لجماعة إرهابية نابعة من بي كي كي”، و”على الحكومة السويدية إظهار أنها غيّرت نهجها في هذا الموضوع”. وقالت السويد وفنلندا إنهما منفتحتان على الحوار، فيما أكد مسؤول في الناتو، أنهم يستطيعون التوصل لإجماع.
“القدس العربي”