علّق إيشان ثارور، في صحيفة “واشنطن بوست” على الدعم الذي حظيت به أوكرانيا من قادة الدول الأوروبية، وفي مقدمته زيارة قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا، إلى جانب الرأي الذي قدمته المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذي في الاتحاد الأوروبي واحتوى على توصية بمنح أوكرانيا وجارتها الصغيرة مولدوفا وضعية العضو المرشح للاتحاد الأوروبي.
وقال عدد من القادة الأوروبيين إن القرار ضروري، ولفتة تضامن مهمة مع أوكرانيا، والاعتراف بشجاعتها وبسالتها في ساحة المعركة أمام الغزو الروسي المستمر.
وفي يوم الجمعة، قالت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، إن “أوكرانيا مستعدة للموت من أجل المنظور الأوروبي”، وكانت ترتدي قميصا عليه العلم الأوكراني الأزرق والأصفر، مضيفة: “نريد أن نعيش الحلم الأوروبي”. وقبل يوم من تصريحاتها، زار كل من الرئيس الفرنسي والألماني ورئيس الوزراء الإيطالي الذين يمثلون أكبر اقتصاديات الاتحاد الأوروبي، كييف عبر قطار من بولندا، وعبّروا عن دعمهم لانضمام أوكرانيا في النهاية إلى الاتحاد الأوروبي.
وظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الأوكراني فولدومير زيلينسكي. وقال دراغي: “نحن نقف على نقطة تحول في التاريخ”، مرددا الكلام الذي نشره شولتز. وأضاف: “في كل يوم، يدافع الأوكرانيون عن قيم الديمقراطية والحرية باعتبارهما عماد المشروع الأوروبي.. مشروعنا”.
ويعلق ثارور أن دخول أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي ليس أمرا لا رجعة فيه، فيجب على المجموعة الأوروبية المكونة من 27 دولة الموافقة على منح أوكرانيا صفة “عضو مرشح”، ثم تتبع ذلك مرحلة من الإجراءات البيروقراطية والسياسية تقوم فيها حكومة كييف بمواءمة المؤسسسات والتنظيمات مع بقية الاتحاد. ولا تزال ألبانيا ومقدونيا الشمالية ومونتينغرو وصربيا وتركيا دولا مرشحة رسميا للعضوية. لكن أوكرانيا تريد عضوية سريعة، والمفوضية وضعت ستة شروط تريد من أوكرانيا تحقيقها. ومن بينها “تطبيق قوانين تعمل على تعيين قضاة مؤهلين تحد من تأثير الأوليغارش. وتريد من أوكرانيا تحسين سجلها في التحقيق ومحاكمة وإدانة الفاسدين”.
وقال دبلوماسي غربي: “لم تكن أوكرانيا قريبة من قبل وليست قريبة الآن” من العضوية. وربما احتاجت عضوية أوكرانيا سنوات طويلة، خاصة أنها تعيش حربا طاحنة، وربما لم يتحقق حلمها أبدا. فالتطورات السياسية المستقبلية في أوروبا وكييف قد تعرقل من ملف انضمامها. وحصلت تركيا، مثلا على صفة مرشح للعضوية عام 1999، وبدأت محادثات للانضمام عام 2005، لكن حكم الرئيس رجب طيب أردوغان ونزعته الشمولية التي ابتعدت عن الغرب، ومعارضة بعض دول أوروبا لانضمام بلد مسلم كبير إلى النادي الأوروبي، وضع ملف العضوية في الثلاجة.
ولا تواجه أوكرانيا هذا القلق الحضاري، فقد أصبحت نجما ونقطة تعبئة للقادة والمعلقين الأوروبيين، الذين يرون في كفاحها نقطة وحدة ولحظة تعبئة جيوسياسية. وقام القادة والبرلمانيون الأوكرانيون على مدى أسابيع، بالدفاع عن طلبهم في العواصم الأوروبية والبناء على أرضية أيديولوجية واسعة. وقالت البرلمانية الأوكرانية إيفانا كليمبوش تسنستادز الشهر الماضي، إن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي سيكون صفعة للإمبريالية الروسية الجديدة التي يمثلها فلاديمير بوتين، و”ستجبره على فهم أن أوكرانيا هي جزء من حضارة أخرى”. وقالت إن “الجنود الأوكرانيين لا يقاتلون دفاعا عن ترابهم” ولكن من أجل المشروع الليبرالي الأوروبي، ويجب “منحهم ضوءا في نهاية النفق”. وفي الوقت الحالي، فنفق الحرب لا يزال طويلا، يتوسع ومظلم. وبعد عودته من الجنوب، قال زيلينسكي إن بلاده ليست مستعدة للتخلي عن أراضيها، كتحدٍ وردٍ على بعض الأصوات التي تقول إن على أوكرانيا التنازل على أجزاء من أراضيها لروسيا مقابلة تسوية النزاع.
وتعبر تعليقاته في جزء منها عن ميلان ميزان الحرب لصالح روسيا، وسط تقارير عن تحضيرات روسية لحملة جديدة في الأسابيع المقبلة. وفي زيارته الثانية لكييف، تحدث رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون عما أسماه “تعب الحرب” في وقت تتقدم روسيا شبرا بعد شبر في اوكرانيا.
وقال ثارور إن زيارات القادة الأوروبيين المتبجحة لأوكرانيا، تكذّبها حقيقة أخرى، فالوحدة الأوروبية عرضة للتهديد بسبب الضغوط الاقتصادية. فقرار روسيا الأخير بتخفيض كميات الغاز المصدرة للقارة سيزيد من متاعب الدول الأوروبية قبل حلول فصل الشتاء القارص. وكشف استطلاع نشره المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في الأسبوع الماضي، وكشف عن معسكرين بين الرأي العام الأوروبي عندما يتعلق الأمر بالحرب في أوكرانيا، فهناك معسكر السلام الذي يرغب بوقف الحرب في أقرب وقت “حتى لو قدمت أوكرانيا تنازلات”، وهناك معسكر “العدالة” الذي يرى أهمية في معاقبة روسيا واستعادة وحدة الأراضي الأوكرانية.
وبرزت إيطاليا من بين الدول العشر المشاركة في الاستطلاع في مقدمة الدول الداعية للسلام. أما بولندا فهي في مقدمة معسكر العدالة. وقال مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية مارك ليونارد: “هناك انقسامات محتملة بشأن زيادة كلفة الحياة واللاجئين والتصعيد النووي، لكن الانقسام الأكبر هو بين الذين يريدون وقف الحرب بأسرع وقت ممكن، والذين يريدون معاقبة روسيا”. وقال: “لو تم التعامل مع الفجوة بين معسكر السلام والعدالة، فستكون أوكرانيا سيئة بنفس الطريقة ما بين المقرضين والمدينين أثناء أزمة اليورو”.
وفي الوقت الحالي، يدعو القادة الأوروبيون لمواصلة الدعم والشجاعة، وقال يانس ستولتنبرغ، الأمين العام للناتو، لصحيفة “بيلد” الألمانية: “علينا ألّا نتراجع عن دعمنا لأوكرانيا حتى لو كانت الكلفة عالية”.
لكن بوتين لاحظ أن هناك مكامن ضعف في الموقف الأوروبي، ففي خطاب أمام المنبر الاقتصادي في سانت بطرسبرغ قال: “يعتقدون أن هيمنة الغرب على الاقتصاد والسياسة في العالم ثابتة ودائمة، لكن لا شيء يدوم”.
“القدس العربي”