يصل الرئيس الأميركي، جو بايدن، اليوم، إلى السعودية ويلتقي مساء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كخلاصة لتحولات جيو سياسية وإعادة خلط للأوراق قام بها الرجلين للوصول لهذه اللحظة.
السعودية ليست مقصدا غريبا على بايدن الذي عاصر 5 ملوك منذ دخوله مجلس الشيوخ في 1973، من الملك فيصل بن عبد العزيز إلى الملك سلمان. وطوال تلك العقود ارتأى بايدن استخدام الرونق الشخصي والعائلي أحيانا في السياسة لرص العلاقة والحفاظ على التوازن.
يمكن القول أن العلاقة السعودية-الأميركية كانت دائما بوصلة لاستقرار مصالح واشنطن في المنطقة الأمنية والنفطية والتجارية. إنما في نفس الوقت كان الخلل فيها بعدم ترابطها على المستوى الشعبي السعودي-الأميركي بشكل فتح الباب لتصدعها خصوصا بعد حرب أكتوبر، ثم اعتداءات 11 سبتمبر وحرب العراق والاتفاق النووي الايراني وبعده مقتل جمال خاشقجي.
وبين هذه المطبات كانت دائما القيادة الأميركية والسعودية تختلف وتتنافر، قبل أن تعود بعد مراجعة جيوسياسية إلى الإقرار بمحورية العلاقة للجانبين وضرورة تصويبها. وهذا اليوم مغزى زيارة بايدن للمملكة. فلا السعودية قادرة على إيجاد شريك أمني بصلابة وقوة واشنطن، ولا أميركا قادرة على إيجاد شريك إقليمي بالحجم الاقتصادي والاستراتيجي الذي تمثله الرياض.
بايدن يدرك هذا الواقع وهو كان دائما وسطيا في سياسته الخارجية. النقلة إلى الخطاب الشعبوي في الحملة الانتخابية كان لإرضاء القاعدة الحزبية للديمقراطيين، وبسبب هذا الخلل المستمر في العلاقة بعدم الترابط الشعبي. إنما كرئيس وعدا عن رفع الحوثيين عن لائحة الإرهاب لم يغير بايدن في السياسة الأميركية التقليدية حيال السعودية. فالمبيعات الدفاعية مستمرة، والتواجد الأميركي في الخليج حاضر من مضيق هرمز إلى قاعدة الأمير سلطان.
من هنا سيخوض بايدن حوارا صريحا وشفافا مع الأمير محمد يقوم بمراجعة العلاقة، عمق المصالح، وذكر الأخطاء أيضا.
بايدن والأمير محمد هما في الظاهر شخصيتان متناقضتان في العمر (٧٩ مقابل ٣٦) والتجربة في الحكم، ولكن تجمعهما رؤى اقتصادية وسياسية مشتركة. فبايدن يحاول تمرير مشاريع اقتصادية ضخمة في الكونغرس لضخ وتطوير الاقتصاد الأميركي تشبه رؤية 2030 إلى حد ما. وسياسيا، لا تتعارض رؤية الأمير محمد الإقليمية وضرورة التعاون الإقليمي داخل الخليج وخارجه مع واشنطن.
الخلافات ستكون على الأرجح حول صعود الدور الصيني في الخليج وضرورة احتواء ذلك إلى جانب إبقاء مسافة من بوتين ومساعدة الغرب نفطيا. من الجانب السعودي، الزيارة وكما كتبنا في هذه الصفحات سابقا هي إنجاز للأمير محمد إنما أيضا فرصة ذهبية لبناء شراكة مستديمة مع واشنطن.
بايدن على عكس دونالد ترامب لا يريد استعراضا بالسيوف ورقصة العرضة لدى وصوله جدة. ما يطمح إليه هو تصور إقليمي يثبت دور واشنطن كاللاعب الأبرز أمنيا والأقرب لجميع الدول رغم التجاذبات هنا وهناك. فمن قادر اليوم على صد صواريخ إيران الباليستية؟ لا الصين وحتما لا روسيا. فبوتين يهرول باتجاه طهران ليشتري الطائرات من دون طيار التي نفسها تستهدف أمن الخليج.
سياسيا، ما من لاعب دولي قادر على ضمان مفاوضات إسرائيلية-فلسطينية أو عربية-إسرائيلية أو مع إيران أو في اليمن بحجم وقدرة واشنطن. وحتى اجتماعيا فالانفتاح والليبرالية الأميركية هي أقرب للمنطقة من النموذج الصيني المغلق أو الروسي غير القادر على استضافة “ماكدونالدز”.
لقاء الرئيس جو بايدن بالأمير محمد بن سلمان هو فرصة ذهبية لإعادة التوازن للعلاقة وفتح أفق استراتيجي وتفاهمات مكتوبة بين الجانبين تضمن استقرار هذه المصالح في العقود المقبلة.
“الحرة”