لم ينته بعد الجدل الذي أثاره الاحتفال الديني المسيحي الذي أقيم لأول مرة بشكل علني منذ نحو عقد من الزمن في قرية اليعقوبية في ريف إدلب الغربي، بمناسبة عيد القديسة «آنا» داخل الكنيسة، إذ صوب خصوم هيئة تحرير الشام من التنظيمات المتطرفة سهام انتقادهم لزعيمها أبو محمد الجولاني. وجرى الاحتفال بعد ترميم الكنيسة بحراسة أمنية مشددة من «تحرير الشام» التي أقامت عدداً من النقاط في القرية التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم «الحزب الإسلامي التركستاني».
وعلمت «القدس العربي» من مصادر داخل القرية، أن «تحرير الشام» طالبت عناصر «التركستاني» بالامتناع عن التعرض للمسيحيين من أبناء القرية، والسماح لهم بممارسة شعائرهم الدينية علناً، بعد أن كانت الشعائر الدينية تمارس سراً وعلى نطاق ضيق. وأشارت المصادر المسيحية إلى حالة من الارتياح الشعبي داخل القرية والقرى الأخرى التي تسجل تواجداً للمسيحيين. وفي حين امتنع راعي الكنيسية الأرثوذكسية في إدلب الأب إبراهيم فرح عن التعليق لـ«القدس العربي»، قال الأب زهري خزعل كاهن كنيسة «أم الزنار» إن ما يقوم به أبو محمد الجولاني متزعم «هيئة تحرير الشام» مع المسيحيين لن يفيده وليس فيه «لوجه الله» من شيء. وأضاف لموقع « العهد» الإخباري الموالي للنظام السوري أن سياسة «تحرير الشام» تقوم على « إضفاء الطابع المدني» لها من خلال الاحتكاك مع المدنيين والاهتمام بالأقليات الدينية واعطائها حقوقها التي سلبتها إياها.
واعتبر أن «كراهية الجولاني للمسيحيين في مناطق نفوذه تبقى حبيسة سريرته، ولو ادعى خلاف ذلك وجهر بالتسامح، بدليل العدد الكبير من الحراس الذين حموا الاحتفال الديني في الكنيسة الأرمنية». وفي سياق ردود الأفعال على الحفل، هاجم أنصار تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الجولاني، واعتبروا أن «تحرير الشام» وقعت في «نواقض» كثيرة للدين الإسلامي حسب تعبيرهم. وقال الصحافي همام عيسى لـ«القدس العربي» إن أنصار التنظيم اتهموا «تحرير الشام» بأنها تنتهج نهج فصائل المعارضة السورية بمحاباة المجتمع الدولي. وفي السياق ذاته، تداول مغردون على وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلات صوتية منسوبة لقيادات من «تحرير الشام»، يكفرون فيها فصائل «الجيش الوطني» المدعوم تركياً، ويتهمونهم بالردة، وذلك عند افتتاح إحدى الكنائس في مدينة رأس العين، في ريف الحسكة الغربي الخاضع لسيطرة المعارضة (نبع السلام).
يأتي ذلك، بعد أسابيع من زيارة أجراها زعيم «تحرير الشام» إلى تجمع القرى ذات الغالبية المسيحية في جسر الشغور، واجتماعه بوجهاء من الطائفة المسيحية، ودعوته إلى عودة أبناء المنطقة، وهو ما أكد عليه الصحافي خالد عبد الرحمن الموجود في إدلب، بإشارته إلى عودة بعض العائلات المسيحية من أهالي منطقة جسر الشغور إلى منازلهم، بعد نزوحهم إلى مناطق سيطرة النظام السوري، ومنهم عائلات كانت تقيم في بلدة «مشتى الحلو» في ريف طرطوس. ومنذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011، وتشهد إدلب هجرة من المسيحيين، وتقدر مصادر عدد المتبقين منهم بالمئات ومعظمهم من الطاعنين في السن. وتتهم الفصائل الجهادية بتسجيل انتهاكات بحق المسيحيين والدروز، منها مصادرة أملاكهم تحت مسمى مكتب «أملاك النصارى»، وحرمانهم بشكل واضح من المساعدات الإنسانية ومنعهم من ممارسة طقوسهم الدينية إلا داخل بهو الكنيسة، من دون قرع الأجراس أو رفع الصلبان.
لكن وفي أواخر العام 2020، انتشرت بعض الصور التي تظهر جانباً من احتفالات المسيحيين بعيد رأس السنة، وهو ما دل على وجود تغييرات في طريقة تعاطي «تحرير الشام» مع المسيحيين في إدلب.
“القدس العربي”