أعلن تنظيم “داعش” بشكل مفاجئ أمس الأربعاء مقتل زعيمه أبو الحسن الهاشمي القرشي في معارك لم يحدّد تاريخها أو مكانها أو خصمه فيها، لكن واشنطن قالت إنه قضى منتصف تشرين الأول (أكتوبر) في جنوب سوريا.
وقتل الهاشمي القرشي، وفق القيادة المركزية في الجيش الأميركي، على يد “الجيش السوري الحر” في محافظة درعا، من دون أن تقدم أي معلومات إضافية.
ماذا حصل في درعا في منتصف الشهر الماضي وما المعلومات المتوفرة من منطقة شكلت في السنوات الأخيرة مسرحاً لفوضى أمنية وعمليات اغتيال وتفجيرات؟
هجوم ضد “خلايا” التنظيم
أجمع مقاتل معارض سابق وناشطون من محافظة درعا والمرصد السوري لحقوق الإنسان، اليوم الخميس، على أن العملية الأمنية الوحيدة التي استهدفت خلايا تابعة للتنظيم المتطرف في منتصف تشرين الأول (أكتوبر) حصلت في مدينة جاسم جنوبي درعا، وأسفرت عن مقتل عدد من عناصر التنظيم.
ورجّح هؤلاء أن تكون العملية ذاتها التي قتل فيها الهاشمي القرشي العراقي الجنسية.
ويقول الناشط المعارض عمر الحريري، من مكتب “توثيق الشهداء في درعا”، إنّ قوات النظام أبلغت وجهاء مدينة جاسم بوجود عناصر متوارين من التنظيم في مدينتهم، وطلبت منهم إعداد مقاتلين محليين ومعارضين سابقين للمشاركة في عملية عسكرية.
وتسيطر قوات النظام منذ 2018 على محافظة درعا حيث يتواجد مقاتلون معارضون أجروا اتفاقات تسوية مع دمشق واحتفظوا بأسلحتهم.
ويروي المقاتل الذي يقول إنه شارك في العملية الأمنية: “بعد تبادل المعلومات مع النظام، حدّدنا المنازل” التي يتوارى فيها عناصر التنظيم في جاسم وقرية محاذية.
ويتابع: “المعلومات المتاحة حينها كانت حول وجود خلايا أمنية للدواعش ومركزاً لعملياتهم في جنوب سوريا وأميرهم المسؤول عن درعا”، مضيفاً “لم يبلّغنا أحد أن زعيم داعش كان هناك”.
وشارك في العملية التي استمرت خمسة أيام بدءاً من 14 تشرين الأول (أكتوبر)، مقاتلون محليون من المدينة بمساندة ميدانية من عناصر الفيلق الخامس (وهو فصيل أسسه الروس من مقاتلين معارضين سابقين ليقاتل الى جانب قوات النظام)، ودعم مدفعي من قوات النظام التي طوّقت المدينة حينها.
ويقول المقاتل: “اعتقدنا بداية أن العملية ستنتهي في اليوم ذاته، لكن عددهم قارب المئة، وقد فجر اثنان منهم نفسيهما” مع بدء العملية.
وتركزت المعارك على خمسة منازل قبل أن تشمل 20 منزلاً. وانتهت بمقتل عناصر من التنظيم بينهم عراقي ملقّب بأبي عبد الرحمن العراقي.
ووفق مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن، فجّر العراقي نفسه في منزل كان يتحصّن فيه بعدما أخرج عائلته منه.
وليس مؤكداً ما إذا كان أبو عبد الرحمن العراقي هو نفسه الهاشمي القرشي، أو واحدا من القتلى الذين بقيت هويتهم مجهولة.
ويضيف المقاتل: “أتى مسؤولون من النظام للتعرّف على الجثث، وعرّفوا عن العراقي بأنه أمير التنظيم في درعا ومسؤول عن عمليات اغتيال وخطف، لكنهم لم يقولوا إنه أمير داعش الرئيسي”.
ويشير إلى أن “جثث القتلى التي تمّ التعرف عليها دفنت في جاسم، فيما أخذ الأمن الجنائي السوري الجثث المجهولة الهوية للتعرّف عليها”.
رواية دمشق
في 14 تشرين الأول (أكتوبر)، نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر أمني أن “مجموعات أهلية وبمساندة الجيش” السوري بدأت عملية ضد التنظيم في جاسم.
وفي اليوم التالي، أفاد المصدر سانا بأن المواجهات دارت في الحي الشمالي، مشيراً إلى وجود “أمراء” من التنظيم أحدهم عراقي.
وفي 17 من الشهر ذاته، أعلن المصدر الأمني “القضاء على كامل أفراد المجموعة الإرهابية”، لافتا إلى أن وحدات الجيش “تفرض طوقاً نارياً حول المدينة، وتنفذ استهدافات مركزة بالوسائط النارية المناسبة لمواقع وتحركات إرهابيي داعش”.
ورغم تقاطع المعلومات حول العملية المذكورة وتاريخها، يقول ناشط معارض في درعا، رافضاً الكشف عن هويته، لـ”فرانس برس”: “ليس هناك من أدلة قاطعة تؤكد أنها العملية ذاتها التي قتل فيها زعيم التنظيم”، مضيفاً “في درعا فوضى أمنية وقد يكون القرشي قتل في مواجهة أخرى لم يوثّقها أحد”.
ولم يستبعد الباحث ومدير تحرير مجلة “نيولاينز” حسن حسن، وهو مؤلف كتاب عن تنظيم “داعش”، أن يكون الهاشمي قتل “بالصدفة في غارة أو قتال من دون أن تكون الجهة التي قتلته تعلم من هو”.
وأضاف: “هذا أمر غير مسبوق لكنه محتمل”.
فوضى درعا
تُعد محافظة درعا التي شكّلت مهد الاحتجاجات الشعبية ضد النظام عام 2011، المنطقة الوحيدة التي لم يخرج منها كل مقاتلي الفصائل المعارضة بعد استعادة قوات النظام السيطرة عليها في تموز (يوليو) 2018، إذ وضع اتفاق تسوية رعته موسكو حدا للعمليات العسكرية وأبقى على وجود مقاتلين معارضين احتفظوا بأسلحة خفيفة.
وتشكّلت مجموعات مسلحة تابعة لقوات النظام أبرزها “الفيلق الخامس” المدعوم من روسيا.
أما “الجيش السوري الحر”، فهي تسمية كانت تطلق على فصائل المعارضة المسلحة التي قاتلت الجيش السوري خلال سنوات النزاع الأولى قبل أن تتشتت. ولا تزال واشنطن تطلق تلك التسمية على مقاتلين معارضين.
ومنذ سيطرة النظام عليها، طغت الفوضى الأمنية على درعا التي تشهد تفجيرات وعمليات إطلاق نار ضد قوات النظام واغتيالات طالت موالين أو معارضين سابقين أو حتى مدنيين يعملون لدى مؤسسات حكومية، في وقت انتشر السلاح في كل مكان. ويتبنى تنظيم “داعش” هجمات في المنطقة.
ويقول الحريري “الفوضى في درعا هي السبب الرئيسي خلف لجوء خلايا لتنظيم “داعش” إليها”.
“النهار العربي”