تحت عنوان مستعار وساخر”شعب مثير للاشمئزاز في ملاءات (شراشف) [المقصود الجلابيات التي يرتديها العرب]” نشرت هذا الصباح الصحيفة الأكترونية واسعة الانتشار “نت آفيس” مقالاً مهماً. مهمٌّ لأنه لخص وتكلم صراحة عما هو خفي وعميق في الثقافة الغربية تجاه العرب. في مقدمة المقال نقرأ: (انحدرت العنصرية الرياضية النرويجية إلى مستويات منخفضة جديدة خلال دورة كأس العالم المقامة في قطر. تتناقض التصريحات العنصرية المستمرة ضد العرب بشكل صارخ مع: القائمة التي نضعها في عصرنا كلما أشرنا إلى المجموعات “الأعراق” الأخرى). قبل بدء المونديال استخدم أحد المعلقين عبارة ” شعبٌ مثير للاشمئزاز في ملاءات (شراشف) «Ufyselige folk i laken»”كتابةً، وهي عبارة كان من شأنها أن تكلف الشخص وظيفته لو كان الأمر يتعلق بأي أناسٍ آخرين غير العرب. والمثير هنا أن المحررين النرويجيين (في الصحف) تنازلوا عن عروشهم وفرادتهم وإلا لكانوا عرضة للغوغاء، فالأمر يتعلق بقطر لا أكثر! تستخدم بهذا الخصوص مفاهيم تبخيس عن قطر، حيث تُسمّى قطر دولة الصحراء، وربما سُمّيت دولة الغنى الصحراوية، أو المشْيَخة. قطر فعلاً دولة صحراوية، ولكنْ تذكير القراء بالأمر كل الوقت يوحي بنظرة فوقية إلى ما هو دون. حتى عند ذكر المباريات يترك القارئ ليسرح بعيدا، كأن يُشار إلى أن الستاد يقع بجانب سوبرماركت، مما يحيل القارئ إلى ذاكرة متناقضة حول الفوارق الاجتماعية في قطر. ال VMكأس العالم مغناطيس فضائح كما هو معروف، وفيه جوانب إشكالية ومثيرة للجدل لا تعد ولا تحصى. العنصرية موجودة في نظامنا [المقصود فيما يبدو لي نظامنا الإعلامي]، بدءاً. فمثلاً كتبت صحيفة الأفتن بوستن(هي الصحيفة الأكبر في النرويج) في “اعتذاريتها” لاضطرارها على تغطية المباريات، بأنها سوف تقتنص (تبحث عن) أي انتهاكات لحقوق الانسان (لتنشرها)، ووستقتنص الخلل في العلاقات الاجتماعية، ولكن… “لكن أيضاً سنغطي ما يحدث في الملاعب”. النتيجة هي أنه لم يجرؤ أحد من معلقينا ومراسلينا أن يحدثنا عن شيء إيجابي في قطر. ولا معلقاً واحداً تجاسر على قولٍ مثل أن هذا الستاد أجمل ستاد رآه في حياته، لا أحد جرؤ بسبب الخوف من غوغائنا الداخليين. طلبت الإدارات من صحفييها المسافرين إلى قطر أن يبحثوا ولو عن عامل يمرّ بحالة سيئة، أو على الأقل يمكنه أن يشكو قليلاً, ليس من الصعب العثور على عمال أجانب في قطر، حيث يوجد 2.5 مليون منهم، وهم يشكلون ما يقرب من 90 في المائة من عموم السكان. ولكن في الواقع ظهر أنه من الصعب العثور على عمال يؤكدون أنهم حياتهم هناك حياة عذاب. لا وجود لليقين، ولكن لا ليس “لرياضيينا” العنصريين فعندهم أن: العمال لا يتقدمون ليتحدثوا لأنهم مهددون بالصمت والتهديد بالانتقام إذا انتقدوا النظام. بعد التحدث إلى عشرات العمال الأجانب في الدوحة من باكستان وبنغلاديش والهند ونيبال ودول شمال إفريقيا ، بدت الصورة واضحة. إنهم راضون إلى حد كبير عن العمل في قطر، وعلى القدرة على إعالة أسرهم في الوطن. ولم يفهموا إلا القليل من تلك الأسئلة المتعلقة بظروف المعيشة وحرية التعبير وضغط العمل وحوادث الموت. معظمهم أشار إلى أن قطر تعتبر دولة آمنة. بالطبع هناك الكثير من الانتقادات لقطر خاصة عندما يتعلق الأمر بحرية التعبير والمساواة، ومع ذلك ، تحتل قطر المرتبة 42 على “مؤشر التنمية البشرية” (الذي تعده الأمم المتحدة)، متقدمة بذلك على العديد من الدول الأوروبية. كما أنها تسبق الصين بأميال. سمعنا القليل عن المقاطعات أو التعليقات الرياضية الانتقادية خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بلد، هو الصين، ثبت أنه يضع، على الأقل، مليون شخص في معسكرات الاعتقال. هلْ… ألأن الميداليات الذهبية النرويجية أهم من كل شيء؟ أم لأننا نخشى الحصار التجاري الصيني؟ لقد تعلمنا مصطلحاً جديداً مع كأس العالم في قطر: “عار كرة القدم”. تذوقْ، تطعّمْ بالمصطلح. فإذا كنت ولا بد ستشاهد مباريات كأس العالم، فلْتشاهدْها في زقاق، ولا تخبر أحداً. كانت رئيسة كرة القدم (النرويجية) ليز كلافينيس والوفد المرافق لها في قطر، لكنهم لم يحضروا أي من المباريات، لأنّ برلمان كرة القدم قرر المقاطعة. والوفد التزم. الأسوأ والأنكى من ذلك كله تم إخبار الأطفال في المدارس أنه ليس من الصواب متابعة مباريات كأس العالم في قطر. كيف حدث كل هذا؟ كيف سُمح للعنصريين الرياضيين بمهاجمة العرب بحرية؟ إنْ كان منح كأس العالم 2022 لقطر فساداً، فالأمر صار عمره عشر سنوات، ولا يختلف عن أيّ من اختيارات المونديالات السابقة. حدث فساد مثل هذا عندما أعطي تنظيم دورة كأس العالم في ألمانيا 2006 حتى إنه تمت إدانة المسؤولين في المحكمة. وإذا كان من المثير للاستفزاز أن تكون قطر غارقة في الثروة النفطية، فيمكن للشعب النرويجي يقترب من المرآة وينظر إلى نفسه. [النرويج بلاد غنية بأفضل أنواع البترول، وكميات مهولة من الغاز وصندوق الثروة السيادي للنرويج هو الأول في العالم بقيمة ألف ومايتين مليار دولار]. من يستطيع التأكيد أنها “الحقيقة!” من المقال الذي نشرته صحيفة الغارديان عن أنّ 6500 عامل قد لقوا حتفهم أثناء قيامهم ببناء ثمانية ملاعب لكرة القدم في قطر! ثمّ تم رفع الرقم منذ ذلك الحين إلى 15000، ومن المناسب بعد ذلك الاعتقاد بأنه بالتأكيد أعلى وأعلى(!) إن استخدام هذه الأعداد هو في الأساس غير منطقي، وهو ما يتجاهله العنصريون الرياضيون النرويجيون تمامًا. إذا مات عشرات الآلاف أثناء بناء الملاعب، فلا بد أن السلطات القطرية كانت مسؤولة عن عمليات إعدام جماعية[ يبدو أن ما عناه الكاتب ساخراً هو أن هكذا أعداد لا يمكن أن تكون نتيجة سقوط عامل من صقالة أو سقوطه في جبالة؛ وإنما هي نتيجة حفلات إعدام جماعية، ساخراً]. ومع ذلك، فإن الصفحة الأولى لصحيفة الأفتنبوستن قبل يومين من افتتاح كأس العالم؛ اجترحت بثقة عبارة “كأس العالم تقام على مقبرة”. الأرقام الواردة هنا مستمدة من منظمة العفو الدولية آمنستي. الحقيقة، وما تشير إليه منظمة العفو، هي أن شهادات الوفاة الصادرة في قطر غالبًا ما تكون غير مكتملة، فهي لا تقدم تفاصيل عن سبب الوفاة. وعلى مدى عشرين عامًا، كان هناك 15000 شهادة وفاة معيبة. هذا لا يعني أنهم أُعدموا أو جوعوا حتى الموت أو عُذبوا حتى الموت. واليوم، منظمة العفو الدولية والسلطات القطرية في صدد الاتفاق على أنه خلال فترة عشر سنوات كان هناك ما بين 400 إلى 500 حالة وفاة في صناعة البناء في البلاد بشكل إجمالي. بالطبع ليس جيدًا ، لكن هل حقاً تُلعب مباريات كأس العالم في مقبرة؟! الآن تجاوزت دورة كأس العالم الحالية منتصف الطريق. وكانت هناك إثارة ومفاجآت وكرة قدم رائعة، وربما أفضل أجواء في الاستادات في تاريخ كأس العالم. ومع ذلك فإننا لا نحيد.معلق افتنبوستن دانيال رود يوهانسن يكتب تقريراً خارج التوقع في كل العصور(!) ذهب الرجل إلى المنطقة المخصصة للعمال المهاجرين حيث نصبت شاشة كبيرة لمشاهدة مباريات كأس العالم لكرة القدم. “هناك بالخارج في الصحراء بالطبع، مجرد رمال وقذارة(!)”. كان الجو في قمة الفرح والهيصة، لكن السؤال الذي طرحه بإلحاح هو ما رأيهم في حقيقة أنهم هم الأشخاص الذين بنوا هذه المنشآت الكبيرة، وأنهم لا يمكنهم تحمل تكلفة التذكرة للدخول وحضور المباريات فيها بأنفسهم؟ ربما يستطيع رود يوهانسن Røed-Johansen أن يسأل الأشخاص الذين ينظفون غرفته في الفندق الفاخر الذي يعيش فيه، ما رأيهم في حقيقة أنهم يعملون هناك (في الفندق الفاخر) لكنهم لن يتمكنوا أبدًا من العيش هناك؟ ويمكنه أن يسأل النوادل الذين يحضرون طعامه في المطاعم عن رأيهم في حقيقة أنهم لا يستطيعون تناول الطعام هناك حيث يعملون. اسألْ الموظفين في المتاجر الفاخرة عن رأيهم في حقيقة أنهم لا يستطيعون ولن يستطيعوا شراء أي من الأشياء التي يبيعونها. كما يمكنه هو وزملاؤه الحصول على فكرة ريبورتاج/ قصة بالمجان. على بعد مسافة قصيرة منك رود يوهانسن، خذْ تاكسي وأذهب إلى هناك حيث أحد أكبر أعمال الألمنيوم في العالم. معمل الألمنيوم المملوك لشركة هيدرو النرويجية Norsk Hydro ودولة قطر. الألمنيوم المصنوع في هذا المصنع استُعمل في بناء الستادات. وهو مصنع يشغل من قبل العمال الأجانب بنسبة 90%. اسأل هناك ما هي رواتبهم؟ كيف هي سكناهم؟ ما هي أنواع الحقوق التي يتمتعون بها؟ وهل لديهم من المال ما يجعلهم قادرين أن يحضروا المباريات في الملعب؟ قررت صحيفة Aftenposten أن كرة القدم ماتت في كأس العالم في قطر. ومع ذلك (مع موت كرة القدم في قطر)، لا يسعنا نحن عشاق كرة القدم إلا أن نتطلع إلى تغطية الVM 2026، والتي رست إستضافتها على المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية وكندا. وبهذه الحالة أضمن لكم أن الكرة لن تعود إلى بيتها/ موطنها، ولا إلى أماكن ذات ثقافة كرة قدم (والتي من المفترض أن الدول العربية لا تمتلكها [أي ثقافة كرة القدم]). ستكون الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الرئيسية، حيث كل الستادات هناك مصممة لكرة القدم الأمريكية (لا لهذه الكرة). ومن المحتمل أن تقام النهائيات في دالاس، تكساس، لأن الكاوبوي مالكي دالاس قدموا أعلى عرض للنهائيات. لكن الأهم من كل ذلك: كيف ستتعامل وسائل الإعلام الرياضية مع حقيقة أن الحكومة المكسيكية والبيروقراطيين والشرطة في المكسيك لديهم علاقات وثيقة مع عصابات المخدرات التي كانت وراء مقتل ما يقدر بنحو 150.000 إنسان في السنوات الـ 12 إلى الـ 14 الماضية. وهذا الرقم لا يتضمن بالطبع أعداد أولئك الذين يموتون من استهلاك المخدرات في جميع أنحاء العالم. ماذا عن قوانين الإجهاض وقوانين حمل السلاح في الولايات المتحدة؟ ماذا عن معاملة كندا المثيرة للجدل للسكان الأصليين؟ هل يمكننا الاعتماد على الإعلام الرياضي لاتخاذ مواقف في مثل هذه الأمور؟ هل سيناقش اتحاد الكرة المقاطعة؟ [مثلما فعل في الدورة الحالية] وهل سينشأ لدينا نقاش مروّع كهذا؟ وهل ستشكل لجان؟! الجواب معروف، والأخلاق باهظة الثمن.
المقال الأصلي https://www.nettavisen.no/norsk-debatt/ufyselige-folk-i-laken/o/5-95-791248