رغم تصاعد التهديدات التركية ووصولها مراحل متقدمة جداً من التهيئة لانطلاق عملية عسكرية برية جديدة شمالي سوريا، إلا أن الدبابات التركية لم تبدأ بعد أي تحرك ميداني في ظل تعاظم التعقيدات السياسية المرتبطة بالمباحثات مع الأطراف الدولية الفاعلة شمالي سوريا وخاصة الولايات المتحدة وروسيا إلى جانب إيران والنظام السوري أيضاً.
وبشكل غير معلن، تجري مفاوضات تركية صعبة مع الجانبين الأمريكي والروسي حيث تشير الكثير من التسريبات إلى طلب أمريكي خاص من أنقرة بـ”التروي” في محاولة لتنفيذ مطالبها بسحب الوحدات الكردية من الشريط الحدودي بعمق 30 كيلومتراً، ومحاولات روسية لإقناع أنقرة بإمكانية سحب “قسد” أو إجبارها على الانسحاب لصالح قوات النظام السوري، وهي جميعها مباحثات وعروض يبدو أنها أدت إلى تأخير إطلاق العملية التي لا تزال تؤكد أنقرة أنها سوف تنفذها في حال لم تنفذ مطالبها بشكل واضح.
تنسيق بين الأطراف
وتقول أنقرة إنها تنسق مع الأطراف الدولية الفاعلة على الأرض من أجل تجنب حصول صدام، لكنها في الوقت ذاته تشدد على أنها “لا تنتظر الحصول على إذن من أحد”.
وقالت وسائل إعلام النظام السوري، إن قائد القوات الروسية في سوريا ألكسندر تشايكو وصل إلى القامشلي شمال شرقي البلاد، لعقد لقاء مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ومناقشة شروط إيقاف العملية العسكرية الجوية ومنع التوغل البري التركي لتقليص مواقع “قسد” شمال سوريا، بينما أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء، أن بلاده مستمرة في حربها واتخاذ الخطوات اللازمة سواء في إدلب أو عين العرب شمالي سوريا.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء، في كلمة ألقاها أمام الجمعية العامة لاتحاد نقابات أرباب العمل الأتراك في أنقرة “تغلبت تركيا على كل العقبات لمحاربة الإرهاب في مهده، أي إذا كان مصدر الإرهاب شمالي سوريا فإننا ننهيه في الشمال السوري وليس بجلبه إلى الداخل، هذا هو كفاحنا”.
عين العرب
وحول مدينة عين العرب في ريف حلب قال الرئيس التركي “يخرّب علينا بعضهم ويقول لا تستطيع فعل أي شيء في عين العرب، ولا يمكنك فعل ذلك، عين العرب انتهت بالنسبة لنا، ما الذي يمكنكم فعله الآن”. مبيناً أنه “مهما كانت الإجراءات اللازمة في إدلب، أو في عين العرب، وفي جميع تلك المناطق، فإننا نتخذها في كل وقت، واتخذناها في الماضي، وسنتخذها من الآن فصاعداً. أخبروا هؤلاء الإرهابيين، أن تركيا لم تعد مكاناً خصباً لهم”.
وكان الرئيس التركي قد قال في وقت سابق إن بلاده “ستكمل حتماً” الشريط الأمني الذي تقوم بإنشائه على حدودها الجنوبية مع سوريا بعمق 30 كم.
ويجري حالياً طرح العديد من السيناريوهات المتوقعة لمستقبل العملية العسكرية التركية وأبرزها ما يتعلق بالتوصل إلى اتفاق بين أنقرة وموسكو يتيح سحب الوحدات الكردية من مناطق حدودية مع تركيا بعمق 30 كيلومترا وانتشار قوات النظام السوري وهو ما تقول أنقرة إنها لا تعارضه على الإطلاق مع التأكيد على انسحاب حقيقي وفعلي للوحدات الكردية، محذرة من سيناريو “الانسحاب الشكلي”.
أما السيناريو الثاني فيتعلق بعملية عسكرية محدودة في بعض المناطق التي تهدد تركيا باقتحامها براً وهي تل رفعت ومنبج وعين العرب/كوباني إما من خلال توافق يجري التوصل إليه مع موسكو وواشنطن، أو بتحرك تركي فردي وذلك بفرض الأمر الواقع بالإبلاغ عن حدود ومحيط العملية عبر آلية “الخط الساخن” المتعلقة بإبلاغ الأطراف الدولية عن حدود مناطق العملية العسكرية لتجنب الصدام بعيداً عن مواقع الأطراف الأخرى سواء بقبول أو رفض هذا التحرك.
وطوال الأيام الماضية، أكد كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين الأمريكيين والروس رفضهم المطلق لعملية عسكرية تركية في شمالي سوريا.
المتحدث الرئاسة التركية إبراهيم قالن أكد أن بلاده لا تطلب الإذن من أحد عندما يتعرض أمنها القومي للخطر، و”إنما تكتفي بالتنسيق مع الحلفاء”، جاء ذلك في لقاء مع قناة الجزيرة الإنجليزية. من جهته، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، أن بلاده “بحاجة لتطهير شمالي سوريا من تنظيم بي كي كي/واي بي جي مثلما فعلت مع تنظيم داعش”، في كلمة في أنقرة، الاثنين.
في موازاة ذلك، حط في مطار القامشلي، وفد قيادي روسي رفيع المستوى قادماً من قاعدة حميميم في ريف اللاذقية، لاستكمال جهود الوساطة مع قيادات “قسد”، التي لم تفلح الأسبوع الماضي في إقناعهم بتسليم المناطق التي تنتشر فيها والمهددة بالتوغل البري إلى قوات النظام السوري.
وأشارت وسائل إعلام النظام السوري، إلى أن طائرات حربية تابعة لسلاح الجو الروسي حلّقت في سماء القامشلي، الاثنين، بالتزامن مع هبوط الطائرة التي أقلت الوفد العسكري الروسي برئاسة قائد القوات الروسية في مطار القامشلي الذي تتخذ منه قوات الجو الروسية قاعدة عسكرية مهمة لها.
وبيّن المصدر أن ألكسندر تشايكو التقى قائد “قسد” مظلوم عبدي في مقره الذي يُعد أيضاً قاعدة مشتركة لـ”قسد” مع التحالف الدولي، في محاولة لإقناع قوات سوريا الديمقراطية، بالقبول بالعرض الروسي الذي قدمه الشهر الماضي حول انسحاب قواتها مسافة 30 كيلومتراً ودخول “الجيش العربي السوري” إلى المناطق الشمالية الشرقية وانتشاره على طول الحدود تنفيذاً لاتفاق سوتشي الذي وُقع عام 2018، مؤكدة أن لا مؤشرات جديدة في تغير موقف «قسد» بشأن الحدود الشمالية.
وأكد المصدر، أن الوساطة الروسية وصلت لمستوى جيد بهدف انتزاع تنازلات ميدانية في مناطق هيمنتها لجهة توسيع مناطق انتشار قوات النظام السوري بالقرب من خطوط تماس الجبهات، وبما يخفف مخاوف أنقرة الأمنية، وبالتالي يحول دون تنفيذ الهجوم البري المحتمل.
المسؤول الإعلامي لدى شبكة الخابور المحلية، إبراهيم حبش، قال في اتصال مع “القدس العربي” إن تشايكو ناقش مع قادة حزب الاتحاد الديمقراطي “ب ي د” العملية العسكرية التركية والشروط التي وضعتها أنقرة، لتجنب تلك العملية في مناطق شمال وشرق سوريا، إذ أن “روسيا كانت قد نقلت الأسبوع الماضي عبر تشايكو شروطاً تركية قابلها متزعم قوات “قسد” مظلوم عبدي بالرفض، وهي انسحاب الميليشيا 30 كم عن الحدود التركية وإقامة مخافر حدودية لقوات النظام في مدن عامودا والدرباسية والقامشلي والمالكية بالإضافة الى عين العرب في ريف حلب”.
النظام يرفض مطالب “قسد”
وأمس، قال موقع “باسنيوز” التابع لـ”قسد”، إن النظام السوري رفض خلال اللقاءات التي جرت في دمشق برئاسة الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بدران جيا كورد الاعتراف بخصوصية “قسد” ضمن قوات النظام. لافتاً الى أن النظام رفض أيضاً الاعتراف بالإدارة الذاتية، أو الخصوصية الكردية، وهو غير مستعد لتقديم أي تنازلات حتى اللحظة.
وكان الجيش التركي قد بدأ في 20 تشرين الثاني الماضي عملية “المخلب-السيف” ضد “قسد” شمال وشمال شرق سوريا، بعد اتهامها بتدبير التفجير الذي وقع في شارع الاستقلال في إسطنبول وأوقع 6 قتلى، وهو ما نفاه المسلحون الأكراد. وشنت القوات التركية ضربات بالطيران والمدفعية على مواقع “قسد” في أرياف محافظات حلب والحسكة والرقة، وتوعدت بتوسيع ضرباتها لتشمل عملية برية، وهو ما تعارضه كل من الولايات المتحدة وروسيا.
جدد الجيش التركي استهداف مواقع قوات سوريا الديمقراطية، وقالت وكالة “نورث برس” التابعة لقسد الثلاثاء، إن القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة الموالية لها، قصفت بالأسلحة الثقيلة قريتين بريف بلدة تل تمر شمال الحسكة، شمال شرقي سوريا.
الثابت الوحيد
وقال مصدر في مجلس تل تمر العسكري، إنَّ “القوات التركية قصفت بقذائف المدفعية قرية الكوزلية غربي بلدة تل تمر” بعد ظهر أمس لافتاً إلى أن القصف سبقه استهداف مماثل بعدة قذائف لقرية تل اللبن في ريف البلدة. واقتصرت الأضرار على المادية دون ورود أنباء عن خسائر بشرية جرّاء القصف، وفق المصدر. وتشهد قرى وبلدات ريف الحسكة الشمالي، بشكل يومي عمليات قصف مصدرها القوات التركية وفصائل المعارضة، فضلاً عن محاولات تسلل إلى بعض القرى وسط مقاومة قوات مجلس تل تمر العسكري.
وما بين التأكيدات التركية بأن بلادهم “لا تنتظر الحصول على إذن من أحد للقيام بما يلزم لحماية أمنها القومي”، وما بين الحديث عن تعقيدات عسكرية وسياسية وحاجة أنقرة للحصول على “ضوء أخضر” للبدء بالعملية، يبدو الثابت الوحيد هو وجود تعقيدات عسكرية وسياسية مع كافة الأطراف الفاعلة على الأرض في شمالي سوريا يجعل من إطلاق العملية العسكرية أمراً بالغ الصعوبة والتعقيد.
ورغم عدم تحديد موعد مسبق للعملية يمكن القول بناء عليه إنها جمدت أو ألغيت، إلا أن التهديدات التركية وصلت إلى ذروتها الأسبوع الماضي.
“القدس العربي”