دمشق – أخبار الشرق
بعد يوم من الهجوم الذي نفذته طائرات أمريكية داخل الأراضي السورية قرب الحدود العراقية، اعترف مسؤول عسكري أمريكي بوقوع الغارة التي نفذتها وحدة من القوات الخاصة الأمريكية لاستهداف شبكة من المقاتلين الأجانب تابعة لتنظيم القاعدة.
ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن المسؤول الأمريكي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه؛ أن القوات الأمريكية قررت أن تتولى الأمر بنفسها وتطارد المسلحين، لافتا إلى أن الشبكة المذكورة مسؤولة عن إرسال مقاتلين إلى العراق حيث "ترتبط القيادة العسكرية السورية بعلاقات مع تنظيم القاعدة وموالين للرئيس العراقي الراحل صدام حسين".
وذكر المسؤول ذاته أنه وفي الوقت الذي حققت القوات الأمريكية في العراق بالتعاون مع السلطات العراقية نجاحا ملحوظا في قطع الطريق أمام المتسللين من سورية بالإضافة إلى تعاون الحكومات في شمال أفريقيا، بقيت المسألة مختلفة لدى الحكومة السورية التي نفت من جانبها هذه الاتهامات في أكثر من مناسبة.
يذكر أن الفريق جون كيلي من القوات الأمريكية ذكر في تصريح الخميس الماضي أن الحدود العراقية مع كل من السعودية والأردن تحت سيطرة الدولتين خلافا لما عليه الحال بالنسبة للحدود السورية.
وحسب الرواية الرسمية، فقد قتل ثمانية أشخاص بعدما هاجمت أربع مروحيات أمريكية قرابة الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم الأحد؛ مبنى "تحت الإنشاء" في منطقة البوكمال، التي تقع شرق سورية وعلى بعد ثمانية كيلومترات من الحدود العراقية.
وقال مصادر أخرى إن "أربع طائرات مروحية أمريكية قادمة من العراق انتهكت الأجواء السورية في منطقة البوكمال وهبطت منها مروحيتان في قرية السكرية التي تبعد ثمانية كيلومترات عن الحدود بينما بقيت الأخريان في السماء. ووفق المصادر ذاتها، فقد ترجل ثمانية جنود من المروحيتين التي هبطتها على الأرضي، تبع ذلك إطلاق نار على "مبنى مدني قيد الإنشاء، وأطلقت النار على العمال داخل المبنى" ما أدى إلى مقتل ثمانية مواطنين بينهم خمسة من عائلة واحدة وامرأة، كما جرح أربعة آخرون، قبل أن تعود الطائرات إلى العراق.
وأكد الخبر رئيس مستشفى الباسل في البوكمال، الذي أشار إلى وصول سبع جثث وأربعة جرحى، مؤكداً أن الجميع مصابون بطلقات نارية.
وذكرت الوكالة العربية السورية للانباء "سانا" ان وزارة الخارجية السورية استدعت القائمة بالاعمال الامريكية في دمشق للاحتجاج على الغارة. وقالت الوكالة ان نائب وزير الخارجية السوري ابلغ المسؤولة الامريكية "احتجاج وادانة سورية لهذا الاعتداء الخطير وتحميل الادارة الامريكية المسؤولية الكاملة عنه". واضافت انه جرى استدعاء القائم بالاعمال العراقي ايضا الى وزارة الخارجية "للغرض ذاته". وذكرت الوكالة ان "سورية دعت ايضا الحكومة العراقية الى اجراء تحقيق فوري في الهجوم وضمان عدم استخدام العراق من اجل العدوان على سورية".
وقال اللفتنانت كولونيل كريس هيوز المتحدث باسم القوات الامريكية في غرب العراق ان الفرقة الامريكية التي تعمل على الجانب العراقي من الحدود لم يكن لها دور في الحادث.
وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) في واشنطن ان ليس لديه معلومات على الفور عن الهجوم لكنه سيتحقق من الامر. كما امتنع جوردون جوندرو المتحدث باسم البيت الابيض عن التعليق على انباء الهجوم كما فعلت وكالة المخابرات المركزية الامريكية. كما صرح المتحدث باسم الجيش الأمريكي في العراق السرجنت بروك مورفي بقوله "إننا نحقق في الحادث وسنبلغكم بالمعلومات فور توفرها".
وتتهم الولايات المتحدة والحكومة العراقية سورية بالتقاعس عن التصدي لتسلل المقاتلين المناهضين للولايات المتحدة من بينهم مقاتلو القاعدة؛ عبر حدودها إلى العراق.
وقال شهود ان الهجوم في قرية مشاهدة التي تبعد سبعة كيلومترات من الحدود مع العراق وكيلومترين من البوكمال وقع قبيل الساعة الخامسة مساء بالتوقيت المحلي (الساعة 1400 بتوقيت جرينتش).
وقال "سانا": "قامت المروحيات الاربع بالاعتداء على مبنى مدني قيد الانشاء وأطلقت النار على العمال داخل المبنى وقتلت ثمانية مواطنين من بينهم زوجة حارس البناء". واضافت ان من بين القتلى رجلا واولاده الاربعة وزوجين. وكل القتلى سوريون. وقال سكان في وقت سابق ان المبنى الذي تملكه هذه العائلة دمر تماما. وذكرت الوكالة ان الطائرات الهليكوبتر غادرت صوب الاراضي العراقية وانها استهدفت مزرعة السكرية القريبة من الحدود.
وقال فرحان المحلاوي رئيس بلدية بلدة القائم الحدودية العراقية لوكالة رويترز ان طائرات هليكوبتر امريكية ضربت قرية على الجانب السوري من الحدود. واضاف ان قوات سورية انتشرت حول القرية. واكد مصدر امني عراقي في بغداد مقتل ثمانية اشخاص.
جريمة:
من جهته، وصف الناطقة باسم السفارة السورية في لندن جهاد مقدسي الهجوم الأمريكي بأنه "جريمة شنعاء وعمل عدواني بالطبع".
واضاف في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" ان الهجوم الامريكي اصاب مبنى قيد الانشاء وهو مبنى مدني.
واردف قائلا: "اذا كان لدى الولايات المتحدة اي دليل على اي تمرد فبدلا من تطبيق قانون الغاب والتعدي دون سابق استفزاز على دولة ذات سيادة كان عليها ان تأتي الى السوريين اولا وتطلعهم على هذه المعلومات". واعتبر أن "هذه الادارة (الأمريكية) اثبتت انها غير منطقية ولا تحترم القانون الدولي او حقوق الانسان وان سورية تتوقع توضيحا وبالطبع فانها تحتفظ لنفسها بحق الرد بالطريقة المناسبة".
وفي هذا السياق، اعتبرت صحيفة تشرين السورية الرسمية أن الغارة الأمريكية "جريمة حرب" ضد "قرية وادعة". ورأت الصحيفة أن "ما اقترفته إدارة بوش من احتلالات بالقوة العسكرية الغاشمة ومن جرائم حرب بحق المدنيين خاصة في العراق وافغانستان وأخيراً في سورية يستدعي المساءلة الحقيقية". ووصفت سلوك الإدارة الأمريكية بأنه "بلطجة عسكرية أنزلت سمعة أمريكا إلى الحضيض" وفق تعبيرها.
كما استنكرت بعض أحزاب المعارضة السورية الهجوم الأمريكي، وأعلن حزب الحداثة والديمقراطية لسورية وقوفه ضد استهداف البلاد عسكرياً من قبل أي طرف خارجي أو أن يتعرض السلم الداخلي للخطر. وأدان الحزب بقوة الغارة الأمريكية واعتبرها اعتداء على سيادة البلاد والشعب السوري وليست اعتداء على النظام السوري.
من جهتها، نقلت وكالة آكي الإيطالية للأنباء عن بعض الأوساط السورية أنها تشتبه بتوقيت الحادث، وربطته بالانتخابات الأمريكية. ورأت هذه الاوساط، حسب آكي، أنه ربما يكون محاولة من جانب الحكومة الجمهورية لتعزيز موقف المرشح الجمهوري للتأكيد على أنه الأقدر على تأمين الجانب العسكري في المنطقة.
وتقع مدينة البوكمال السورية على مسافة 5 كيلومترات عن الحدود العراقية، ويتبع لها معبر حدودي نظامي بين البلدين "معبر اليعربية" وتقابلها على الطرف العراقي من الحدود منطقة القائم.
وعدد سكان السكرية لا يتعدى الألفين، علماً بأن البوكمال تحتضن مخيماً للاجئين العراقيين يشرف عليه الهلال الأحمر.
ويبلغ طول الحدود السورية العراقية نحو 650 كم، وتتمركز على الجانب السوري منها أكثر من 20 ألف من القوات العسكرية السورية لمنع التسلل والتهريب.
وشهدت المنطقة خلال السنوات الأخيرة بين الحين والآخر اختراقات أمريكية داخل الأراضي السورية لمئات الأمتار لملاحقة من تعتبرهم القوات الأمريكية "إرهابيين" يحاولون عبور الحدود نحو العراق. وكانت حصلت سابقاً اشتباكات بين القوات الأمريكية والهجانة السوري داخل الأراضي السورية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2005 حيث قامت القوات الأمريكية بعملية إنزال جوي في قرية (الهري) وقرية (الباغوز) جنوب البوكمال.
وتشهد العلاقات بين دمشق وواشنطن حالة من التوتر منذ سنوات، بعد أن قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات سياسية واقتصادية على سورية في إطار قانون المحاسبة، وكذلك بسبب الاتهامات التي توجه من قبل واشنطن والتي تدعي بأن دمشق تقوض الأمن في العراق ولبنان وتدعم حركات إرهابية فلسطينية، وتقوم مع إيران وكوريا الشمالية بإعداد برامج تسليح غامضة.