الحرب في سوريا مستمرة حول كسب الرأي العام مع إعلان الولايات المتحدة دعم الإعلام البديل في سوريا، وهو ما أثار غضب دمشق التي اعتبرت أن تقديم الملايين من الدولارات لتشويه صورة سوريا يعكس إصرار واشنطن على الاستمرار في تضليل الرأي العام.
دمشق – انتقدت وزارة الخارجية السورية تقديم الولايات المتحدة الملايين من الدولارات لمن أسمتها “جهات إعلامية مشبوهة” بهدف تشويه صورة الدولة السورية، وهو ما يعكس وفق الوزارة “إصرارا أميركيا على الاستمرار بتضليل الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، ويفضح استمرار الهجمة الأميركية التي تستهدف سيادة سوريا والتدخل في شؤونها الداخلية”.
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنها ستخصص نحو 15 مليون دولار لدعم وسائل الإعلام “المستقلة” في سوريا من أجل تحسين إمكانية حصول السوريين على معلومات “غير منحازة”.
وقال فريق الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية الأميركية إن الوزارة أصدرت إشعارا عاما بفرصة تمويل لهذا المشروع، على أن تنتهي طلبات التقديم في السادس عشر من فبراير المقبل.
وتضم قائمة وسائل الإعلام التي يمكن لها التقدم للاستفادة من المنحة، المنظمات غير الربحية، المنظمات الربحية، مؤسسات التعليم العالي الخاصة أو العامة أو الحكومية، والمنظمات الدولية العامة.
وسائل إعلام مستقلة ومعارضة في سوريا قد أغلقت خلال السنوات القليلة الماضية بسبب نقص الدعم
وبحسب تفاصيل المنحة، تهدف الخارجية الأميركية إلى دعم برامج تحسين وصول السوريين إلى معلومات غير منحازة ودقيقة وذات صلة محليا، لتمكين المواطنين السوريين وتعزيز المساءلة ومكافحة العنف والروايات المتطرفة.
كما تهدف إلى مكافحة المعلومات المضللة، وتحسين قدرة السوريين على التعرف على المعلومات المضللة، وتحسين قدرات وسائل الإعلام السورية لمواجهة جهود التضليل المرتبط بالنظام في سوريا، والنهوض بحقوق الإنسان وتمكين السكان المهمشين، ومعالجة النوع الاجتماعي، ودعم تغطية العملية السياسية السورية لتسهيل الشفافية وتعزيز التفاهم العام، وغيرها.
وأوضحت الخارجية الأميركية أيضا أن الغرض من هذا التمويل هو تعزيز أولويات سياسة الحكومة الأميركية في سوريا المتمثلة بضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم داعش وتنظيم القاعدة لمواجهة التطرف العنيف، ودعم اتفاقيات وقف إطلاق النار للحد من العنف، وتوسيع وصول المساعدات الإنسانية، وإيصال المساعدات الإنسانية عبر سوريا، وتعزيز النُهج طويلة الأمد المدعومة محليا ودوليا للعدالة الانتقالية والمساءلة والمصالحة، وتقديم حل سياسي للنزاع السوري برعاية القرار الأممي “2254”.
وقالت وزارة الخارجية والمغتربين في سلسلة تغريدات حسابها على موقع تويتر إن “مثل هذه المشاريع التي تديرها الخارجية الأميركية تهدف للتغطية على جرائم الولايات المتحدة في سوريا وحمايتها للإرهابيين والانفصاليين، وسرقتها للثروات والموارد السورية، وهو ما فضحته وسائل الإعلام السورية ورسائل وزارة الخارجية للأمم المتحدة وبياناتها المختلفة”.
وأضافت الخارجية السورية أن “الولايات المتحدة التي تقدم مثل هذه المشاريع بحجة مكافحة التضليل الإعلامي وتعزيز حقوق الإنسان، هي أكثر من مارس ويمارس التضليل الإعلامي كما حصل في العراق وليبيا ودول أخرى وصولا للحرب الإرهابية على سوريا، وهي أكثر من انتهك وينتهك حقوق الإنسان في مختلف مناطق العالم” .
وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية على أهمية المبادرة الأميركية الأخيرة لدعم الإعلام السوري المستقل بعد 12 عاما من الحرب في البلاد.
وقال المتحدث في تصريحات لوسائل إعلام أميركية إن المبادرة التي تم الكشف عنها الثلاثاء الماضي تهدف إلى تعزيز أولويات السياسة الأميركية في سوريا. وأوضح أن الوزارة أصدرت إشعارا عاما بفرصة تمويل هذا المشروع وترحب بالمقترحات المقدمة من المتقدمين المؤهلين.
ويذكر أن العديد من وسائل الإعلام السورية المستقلة والمعارضة في سوريا قد أغلقت خلال السنوات القليلة الماضية بسبب نقص الدعم فيما يعاني بعضها الآخر. وانتهى المطاف بقسم كبير من الصحافيين القائمين على المشاريع الاعلامية البديلة كلاجئين في بلدان الاتحاد الأوروبي، كما أن وسائل إعلام بديلة لم تعد غالبيتها موجودة.
وتشير دراسة عن “الصحافة السورية الجديدة” أجرتها الباحثة الفرنسية سوازييك دوليه لصالح منظمة CFI ونشرتها صيف العام الماضي، إلى أن المطبوعات السورية التي بدأت منتصف العام 2012 لم تتجاوز العشرين، بينما فقزت في السنوات الثلاث التالية (2012، 2013، 2014) لتتجاوز الـ250 بالمجمل، لكن بعد الطفرة توقف أغلبها بعد فترات قصيرة من صدورها. وبقيت أخبار الثورة حيّة بتغطية من الإعلام الإقليمي؛ الذي كان الأكثر قدرة على الوصول للجمهور السوري بسبب امتلاكه الإمكانيات الضخمة والخبرات الإعلامية القادرة على صناعة التأثير.
ومع اختلاف التسميات التي أُطلقت على التجربة الإعلامية التي وُلدت مع بدء الثورة في سوريا عام 2011، كإعلام “بديل” أو “جديد” أو “ثوري” أو “حر”، تشترك وسائل الإعلام الناشئة في نقلها روايات أخرى تجري بعيدا عما ينقله الإعلام الرسمي السوري، وفي التحديات التي تواجه سير عملها، وأبرزها الاستقلالية المرتبطة بالتمويل.
ويشير خبراء إلى أن الإعلام السوري البديل في مجمله لا ينال ثقة الجمهور السوري بسبب “عدم تبعية المؤسسات للسوريين” ولأنه “مرتبط بتمويلات أجنبية”، معتبرين أن “الممول هو من يرسم سياسة المؤسسة الإعلامية، ما يعني بالضرورة تبعية هذه المؤسسات لأجندات خارجية”. ويؤكدون أن “الأجندة الواضحة للوسائل الإعلامية الجديدة لم تكن وطنية، ولم تقدم خدمة جيدة للجمهور”.
في المقابل يرى آخرون أن ربط وطنية المؤسسات بالتمويل “سوء فهم” لوظيفة المنظمات الداعمة وآليات عملها، و”خلط” في مفهوم الوطنية وعلاقته بتمويل الإعلام. فالمشاريع الإعلامية التي أسسها ناشطون وصحافيون لا يملكون المال، لم يكن من سبيل لاستمرارها إلا بالاستعانة بالمنظمات الدولية الداعمة في هذا المجال. كما أن أموال هذه المنظمات مخصصة أصلا لدعم الإعلام في الدول الناشئة أو تلك التي تشهد حروبا وصراعات، وتهدف لتطوير الصحافة وتعزيز استقلاليتها.
الخارجية السورية تؤكد على أن الولايات المتحدة هي أكثر من مارس ويمارس التضليل الإعلامي كما حصل في العراق وليبيا ودول أخرى
وقالت وكالة الأنباء السورية “سانا” في مقال إن “المتلاعبين بالعقول في الإدارات الأميركية المتعاقبة، حماة التضليل الإعلامي الأميركي، ورعاة الإستراتيجيات المخربة في العالم، يحاولون دائما وعلى مدى عقود طويلة النيل من الدول المتحصنة بسيادتها”.
وأضافت الوكالة أن التضليل الإعلامي الأميركي يحدث دائما بطرق ملتوية من أجل إخفاء الحقائق وتحقيق أغراض سياسية وعسكرية واقتصادية، لتحويل العقول واستغلالها، عبر بث الأخبار المزيفة لكسب الحروب العسكرية والاقتصادية عن بعد وقرب، وهذا ما حدث فعلا في حملة التضليل الإعلامي الأميركي التي شُنت ضد العراق لكسب رأي وتعاطف العالم بشكل عام والمجتمع الأميركي على وجه الخصوص لدعم الحرب على العراق.
ويزخر تاريخ الولايات المتحدة وإعلامها وإداراتها بالتدخلات والتوجيهات التضليلية وتقديم كل ما يخدم مصالحها ونواياها وشعاراتها، وأوضح مثال الكم الهائل من الضخ الكاذب لتمهيد الحرب على العراق على أساس معلومات غامضة ومصادر مجهولة ألهبت عناوين الصحف ونشرات الأخبار.
واعتبرت أن “سوريا تدرك هذا تماما، وهي على يقين من انتصارها على حملات التضليل والتلاعب بالعقول، التي تشنها الولايات المتحدة ضد الدولة السورية، ومن أجلها تنفق واشنطن الملايين من الدولارات لتشويه صورة الدولة السورية، وهذا يعكس إصرارها الخبيث على الاستمرار بتضليل الرأي العام، لغايات جيوسياسية، بعيدة المدى، هدفها الاستمرار في الاحتلال، ودعم أدواتها، والتغطية على أفعالها القبيحة المدانة بكل الشرائع والسنن والقوانين الدولية وغيرها”.
ويذكر أن الإعلام الرسمي السوري دعائي في مجمله ولا ينال أي ثقة لدى السوريين الذين يعتبرون تغطيته بعيدة عن مشاغلهم.
“صحيفة العرب”