ترجمة: علاء الدين أبو زينة
بالكاد استقرت حكومة بنيامين نتنياهو الأخيرة في السلطة لمدة أسبوعين، لكنها لم تضيع أي وقت للانخراط في العمل. وقد تم إيلاء الكثير من الاهتمام للأحزاب اليمينية المتطرفة والمتشددة المشاركة في ائتلافه، والتي سيطرت على مجموعة من الوزارات المهمة، بما فيها وزارات الأمن القومي، والشؤون الداخلية، والمالية. لكن تعيين ياريف ليفين، عضو حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو وأحد أقرب مستشاريه، كوزير للعدل، قد يكون له الأثر الأكبر على الديمقراطية الإسرائيلية.
يبدو السيد ليفين مصممًا على كبح سلطات المحكمة الإسرائيلية العليا المستقلة إلى حد كبير في البلاد. ويريد الوزير الجديد، وهو محام وناقد مخضرم للمؤسسة، تقديم “بند تجاوز” يسمح لأغلبية بسيطة في الكنيست، (البرلمان الإسرائيلي)، بتمرير تشريع تعتبره المحكمة غير دستوري. وبموجب مقترحاته، لن تكون المحكمة قادرة بعد الآن على إبطال قرارات الحكومة على أساس “المعقولية”. وسوف يتولى السياسيون تعيين القضاة، وسيتم استبدال المستشارين القانونيين للحكومة، الذين يشكلون حاليًا مجموعة مستقلة، بأشخاص معينين على أساس سياسي.
ليست ظاهرة التوترات بين الحكومات المنتخبة والسلطات القضائية المستقلة مقصورة على إسرائيل. لكن افتقار إسرائيل إلى دستور رسمي، بالإضافة إلى نظامها الانتخابي القائم على التمثيل النسبي في غرفة برلمانية أحادية، والذي يؤدي عادةً إلى إقامة تحالفات مع عدد من الأحزاب الصغيرة ذات المصالح الخاصة القوية سياسياً، عنى أن تكون محكمتها العليا تدخلية إلى حد كبير.
ومع ذلك، تجاوز سياسيون إسرائيليون من جميع الأطياف على سلطة المحكمة، فقام رئيس الوزراء المؤسس لإسرائيل، ديفيد بن غوريون المنتمي إلى حزب العمل من يسار الوسط، بتخطي افتتاح المحكمة العليا. ووافق رئيس وزراء آخر من حزب العمل، يتسحاق رابين، على بند تجاوز على قانون معيّن في العام 1994 من أجل استرضاء الأعضاء المتدينين في ائتلافه. وتتكون حكومة نتنياهو الجديدة إلى حد كبير من سياسيين يعارضون، من حيث المبدأ، تدخلات القضاة غير المنتخبين. وهم يصرون على أنهم هم الذين يعتنقون الديمقراطية الحقيقية ويحمونها.
لكن قضاة اسرائيل لا يوافقون. في الثاني عشر من كانون الثاني (يناير)، اتخذت إستر هايوت، رئيسة المحكمة العليا الإسرائيلية، خطوة نادرة بتوجيهها انتقادات علنية إلى سياسا الحكومة، واصفة خطة ليفين بأنها “جرح مميت لاستقلال القضاء”. وقالت السيدة هايوت أنه في حال تم إقرارها، فإن الإصلاحات المنوي إجراؤها “ستغير الهوية الديمقراطية للبلاد بحيث لا يعود من الممكن التعرف إليها”.
ستعني التغييرات المنوي إجراؤها إزالة أي ضوابط على سلطة الحكومة، كما تقول سوزي نافوت، المحامية الدستورية ونائبة رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، كما سيكون من شأن الطريقة التي تتحرك بها حكومة نتنياهو في هذا الشأن، “بدافع نزوة سياسية”، أن تشكل “تهديدًا حقيقيًا للديمقراطية”. وقد جددت الخطة المذكورة شباب المعارضة في إسرائيل، المجزأة والمحبطة من يسار الوسط. وقد تجمع في 14 كانون الثاني (يناير) حوالي 80 ألف متظاهر في وسط تل أبيب ومدن أخرى، متعهدين بمحاربة خطط الحكومة.
لكن السيد نتنياهو لا يرتدع. في اليوم التالي، وصف انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) الأخيرة بأنها “أم كل الاحتجاجات”، وادعى أن الملايين صوتوا فيها لصالح إصلاح النظام القانوني. ويصر رئيس لجنة القانون في الكنيست، سيمشا روثمان، على القول: “نحن لا نتطرق إلى -ولا حتى نلامس- صلاحيات المحكمة العليا المتعلقة بالمراجعة الإدارية”. ويرفض السيد روثمان، من حزب “الصهيونية الدينية”، وهي كتلة يمينية متطرفة، ما يعتبره صيحات سخيفة تقول إن هذه التغييرات ستجعل إسرائيل أقل ديمقراطية. ويدعي روثمان بأنها ليست هناك أي محكمة أخرى في العالم تستخدم اختبار “معقولية” مشابه، أو تتحكم في تعييناتها مثلما تفعل المحكمة الإسرائيلية.
في الماضي، سمح استقلال النظام القانوني لإسرائيل بمحاسبة الحكومة، وكذلك كبار قادة الدولة. وقد أدين رئيس وزراء سابق بالفساد. وتم سجن رئيس بتهمة الاعتداء الجنسي. ويواجه السيد نتنياهو نفسه تهمًا بالرشوة والاحتيال. ولن تؤثر التغييرات المقترحة على قضيته بشكل مباشر، لكن من الصعب تجنب الانطباع بأنه عاد إلى منصبه وفي جعبته حساب شخصي يريد تسويته مع القضاء. في الماضي قدم السيد نتنياهو نفسه على أنه نصير لاستقلال المحكمة العليا. وسواء كان قد غير رأيه حقًا أو أنه فعل ذلك من أجل المصلحة السياسية، فإن هذا الموقف لم يعد يناسبه.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Netanyahu rushes to take on Israel’s Supreme Court
“الغد”