حرب روسيا ضد أوكرانيا وتحولات السياسات الاميركية مع جوزيف بايدن وضعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في موقع المفاوض الحذق والسياسي المحنك، الذي يكسب اليوم في محادثاته الدفاعية والسياسية مع الحلفاء.
الرئيس التركي وفي غضون أسبوعين سجل أهدافاً في مرمى واشنطن وهلسينكي. فالإدارة الاميركية شبه موافقة على طلب تركيا شراء 40 مقاتلة من طراز إف-16 من إنتاج شركة لوكهيد مارتن، بعد اعتراض دام عامين، فيما وزارة الدفاع الفنلندية، أعلنت هذا الأسبوع عن منحها تفويضًا لتصدير معدات عسكرية إلى تركيا بعد تعليق تصديرها منذ خريف 2019 على خلفية إطلاق تركيا عملية عسكرية في سوريا.
خطوة هلسينكي والتي ستعني عودة صادرات المعدن الصناعي لشركات عسكرية تركية الخاسر منها الأكبر هو السويد، في محاولة البلدين الانضمام الى حلف الشمال الأطلسي (الناتو). فبعد قيام زعيم حزب الخط المتشدد الدنماركي اليميني المتطرف راسموس بالودان إحراق، يوم الأربعاء، نسخة من القرآن قرب السفارة التركية في ستوكهولم، وسط حماية مشددة من الشرطة السويدية، ارتأت فنلندا حفظ مسافة من جارتها ودرس إمكانية دخول الناتو قبلها.
بغض النظر فالرابح الأكبر هو اليوم إردوغان الذي تارة يجذب المستثمرين الروس الهاربين من عقوبات الغرب على موسكو، وتارة يشتري الغاز الروسي فيما يبيع السلاح لأوكرانيا. إردوغان نفسه يمول المعارضة السورية وحماس وفي نفس الوقت يغازل بشار الأسد وبنيامين نتانياهو.
إنها تناقضات ضخمة في صنع السياسة إنما ترتكز على حماية المصالح التركية وتقوية أنقرة عسكريا وفي نفوذها الداخلي والخارجي.
يخطئ من يعتقد أن أردوغان تدفعه إيديولوجية معينة أو التزام بالإسلام السياسي المهيمن على حزب العدالة والتنمية. ما يدفع إردوغان هو براغماتية سياسية تستغل الإسلاميين وغيرهم لتوسيع نفوذ أنقرة الإقليمي.
إردوغان يلعب “البوكر” ببراعة ويخزن أوراقه الثمينة لإسقاطها في وقت الضرورة، سواء في معركة توسيع حلف الناتو أو في المفاوضات مع الأسد. وهو في نفس الوقت يسعى للبقاء في الحكم بتسجيل عدد من النقاط للجيش قبل انتخابات مايو المقبل.
الترابط بين الانتخابات وبين السياسة الخارجية هو وثيق اليوم في ذهن أردوغان. فتحجيم اللاعب الكردي سواء في السويد بحجب حزب العمال الكردستاني، أو من خلال محاولة حل حزب HDP الكردي داخل تركيا بقرار قضائي. هذا التشابك أيضا هو بتحقيق إنجازات خارجية مثل حصد طائرات الأف-16 رغم خسارة عقود الأف-35 بعد شراء منظومة أس-400 الروسية للدفاع الصاروخي.
هناك أيضاً المصالحات الإقليمية التي يجريها إردوغان ليس بدافع العناق والعلاقات الأخوية، بل لأسباب اقتصادية وفتح السوق التركية بشكل أكبر أمام الخليج ومصر وإسرائيل وحتى سوريا. فالورقة الاقتصادية ومشكلة اللاجئين تتصدر هموم الناخب التركي، ومن هنا التقاطع العربي والنظر إلى دمشق.
هذه العوامل وهذه التركيبة يسوغها إردوغان ببراعة في محاولة الفوز بالانتخابات، الأمر الذي يبدو مرجحاً اليوم بسبب غياب معارضة موحدة في تركيا وقرارات سلطوية تتخذها المحاكم ضد ناشطين ومرشحين وأحزاب معارضين له.
هذا كله يضع أردوغان أمام مجموعة مكاسب في 2023 من هلسينكي إلى واشنطن إلى أنقرة في الطريق للبقاء في السلطة وتوسيع نفوذ تركيا الإقليمي وكوسيط لا غنى عنه بين فلاديمير بوتين وخصومه.
“الحرة”