يستند التشكيلي مهدي غلاب على عدد من المقومات الفنية والأسس الجمالية، وإلى معرفة فنية وتشكيلية، يتقصد بها منجزاته التشكيلية في بُعدها الثقافي والدلالي، في سياقات جمالية على نحو من اختلاف الاتجاهات وتنوع المواهب. فهو المتعدد في الواحد، الأديب والقاص والشاعر والتشكيلي والناقد، الذي يبعث صورة متكاملة عن مضامين حية تنبثق من عمق الفن في مختلف اتجاهاته.
ما يجعل من هذه التجربة خزانا متباينا يزاوج بين حدود الجمال والفن، والمناحي الأدبية والنقدية، في نطاق مجموعة من المرجعيات التي تؤدي أغراضا مضامينية، بحُلل فنية، تُسائل التكامل والتجانس في عمق المادة التشكيلية التي يشتغل عليها، اعتبارا للوحدة المتكاملة لمنجزه التشكيلي. ما يمكن اعتباره إبداعا يلامس به المبدع جوهر التشكيل في بعده الفني والدلالي؛ ليقدم صورة حضارية عن منجزه بمنهجية فنية، تضعه في بؤرة التأمل، ليُنتج خطابا فنيا من زاوية تشكيلية، برؤية مسعفة في إدماج البورتريه والطبيعة الصامتة والتجريد والانطباع..
في منجزات تشكيلية متباينة، ثم الخروج في بناء شكلي ومضاميني قوي المراس، ما ينم عن عبقريته الفنية، وينم كذلك عن قدرته لتشكيل خطاب فني متعدد المرامي الفنية في الساحة التشكيلية المعاصرة، بصورة متعددة الوظائف البنائية ثم الدلالية، وهي صورة تنسجم مع تجربة التعدد، وفق تمفصلات تشكيلية يتجه بها نحو إزالة الفروق بين مختلف الاتجاهات الفنية؛ ليكشف عن الأسرار التي ترقى بالتقاطعات بين الأجناس الفنية، سواء الثقافية أو الأدبية أو التشكيلية إلى مستويات عالية من الإبداع، وهو ما ينطبق على هذه التجربة الفائضة بالجماليات، الناتجة عن الاجتهاد من خلال أفكار ورؤى مكتملة المعالم، ليفسر توليفه لفوارق فنية بتقنيات عالية، وبأساليب نوعية، ينتج عنها العديد من المعاني والدلالات، فالأيقون الفني متلازم مع التعددية في لعبة المنطق الفني، ما يفسر وضعية التجانس في أعمال المبدع مهدي غلاب، ويؤكد المظاهر الفنية والجمالية المحملة بالإيحاءات والتعابير والمغازي والدلالات في هذا المنجز المعاصر.
إنه تشكيل يعمق المساحة وفق مسالك فنية متنوعة، بأمانة في التعبير، ما جعل التمثلات الشكلية في جميع الاتجاهات الفنية التي يشتغل عليها ترسل إيقاعاتها بسمفونية مبهرة في عمق التشكيل؛ لتغذي المادة الفنية بموتيفات قوية وعلامات تنوعية مدهشة. ولا شك في أن هذا ينم عن التقنيات العالية التي يتوفر عليها المبدع، فضلا عن أفكاره وثقافته الموسوعية التي يروي بها مختلف التشكيلات والصور التي يرسي بها المعنى الدلالي في عمق الفن التشكيلي المعاصر، خاصة أنه يشعل فتيل الوصل بين مختلف المفردات المتباينة بين الاتجاهات الفنية في منجزاته التشكيلية، وما حملته ثقافته من رؤى متنوعة، لتضحى لوحاته ذات صياغة فنية إلهامية يتقصد بها التأصيل لثقافة توليفية تروم إدماج مختلف القيم الفنية في مختلف الاتجاهات، وتشكيل بؤر من المفردات الفارقية بنوع من الرمزية، ومن الهندسة المسبقة، لتشكيل الفضاء وفق مشاهد تتجاوز الخيال، وتمتح من الواقع بعض خصائصه، في نطاق فني يؤشر إلى نوع من الوعي في عملية ربط المجالات المختلفة. وهذا ناتج عن التفاعل الفني بين المكونات التشكيلية في أعماله التي تتدفق بالأشكال الجمالية المتنوعة، والطقوس الفنية المختلفة، التي تفضي إلى اكتمال المادة التشكيلية التي تحتضن كل الاتجاهات المنفردة. يُعضّد ذلك وجود علائقي بين مختلف العناصر المكونة لكل اتجاه، في كل مجموعة من اللوحات؛ من أشكال وألوان وعلامات، فضلا عن تشكيل نسيج من العلاقات الفنية، بخصائص تعبيرية موحدة.
وبذلك، فالفنان يستطيع في منجزاته هذه أن يجدد في مفردات لغته التشكيلية على نحو كلي من الجمال، ومن الإبداع المتعدد، خاصة أنه يشكل مساحة فسيحة من إبداعاته المتنوعة، إذ يجول في الثقافات والأدب والفنون المختلفة، ويرسم أعمالا دائمة التكوين والتجديد. ولا شك في أن هذا التوجه التشكيلي بما يحمله من السمات الجمالية وما يتبدى فيه من أنساق إبداعية وأوصاف فنية؛ قد حمل مختلف التصورات الهادفة، والأفكار المتجددة، والرؤى الفنية ذات العوالم المعرفية والثقافية التي تبدت في لوحات ذات صيغ تشكيلية راقية؛ توجّه المسالك التعبيرية في كنف الصياغات الجمالية المتنوعة، في شمولية تناسقية تُشكل جميعها فلسفة تقوم على خطاب فني يتسم بالجدة، وعلى رؤى مركزية وهندسة جمالية؛ وتأطير تشكيلي منظم. ولا غرو في ذلك، فهو يقتنص مسارا يتقصد عمليات تشكُّل فني جديد، قياسا إلى أهمية التشكيل في تحديد المسالك الجمالية التي تدّخر العديد من الدلالات البصرية التي تحتمل التأويلات المتنوعة، ما يجعلها مثقلة بالإيحاءات والمعاني والإشارات؛ بقدر ما تحمله أعماله في شموليتها من معالم جمالية، ومفاهيم يستعملها لبعث مختلف مقومات الفن المتكاملة والمتناسقة التي تروم مختلف المضامين. ويُعد هذا انعكاسا فنيا يمثل أصنافا من الفن، بما اقتضته تشكيلاته من الرمزية المتعددة، في محاورة إبداعية جعلت من هذه التجربة متسعا للإبداع.
كاتب من المغرب