أجرى وزراء الدفاع ورؤساء المخابرات في تركيا وروسيا وإيران وسوريا محادثات في موسكو الثلاثاء وصفتها أنقرة وموسكو بأنها “بنّاءة”، مع إشارة واضحة إلى التطرق إلى موضوع عودة اللاجئين.
وبدا واضحا أن خطوات التطبيع بين دمشق وأنقرة لا تسير بشكل سريع، ولكنها تضع أولوية لها تحريك ملف اللاجئين الذي يمثل عبئا على تركيا من ناحية، ومن ناحية ثانية يبرر سيطرتها على جزء من الأراضي السورية وتقول إنها تعمل على توطينهم فيها بدلا من توزعهم داخل أراضيها بشكل بات يهدد توازناتها الداخلية.
وقالت وزارتا الدفاع التركية والروسية في بيانين منفصلين إن الوزراء ورؤساء المخابرات ناقشوا في الاجتماع تعزيز الأمن في سوريا وتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.
◙ موسكو، الحليف الرئيسي لبشار الأسد، شجعت على المصالحة مع أنقرة. لكن دمشق تشترط انسحاب القوات التركية انسحابا كاملا لاستعادة العلاقات
وأفاد البيانان بأن الدول الأربع أكدت مجددا رغبتها في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وضرورة تكثيف الجهود من أجل عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم فورا.
وترى دمشق نفسها في حِل من أزمة اللاجئين سياسيا وأخلاقيا، خاصة أنها لم تمانع بشكل علني في عودة هؤلاء، وإن كانت هذه العودة تتطلب مناخا سياسيا ملائما. لكن الوضع مختلف تماما بالنسبة إلى تركيا.
وفشل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في استثمار ورقة اللاجئين السوريين في كسب التعاطف الخارجي. كما حول هذه الورقة إلى وسيلة ابتزاز للحصول على التمويلات التي يريدها من أوروبا مقابل منع موجات السوريين من التوجه شمالا.
وبمرور الوقت صارت هذه الورقة في غير صالح أردوغان نفسه بسبب الانتقادات الداخلية الواسعة لقرار استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين دون مراعاة تأثير وجودهم على الوضع الداخلي للأتراك.
ويقول المراقبون إن إثارة موضوع عودة اللاجئين هي الهدف الأول للرئيس التركي قبل الانتخابات بأسابيع معدودة، مشيرين إلى أن بدء عمليات الإعادة، ولو بشكل محدود، سيكون في صالح أردوغان الذي يريد طمأنة الملايين من الناخبين الأتراك بأن مشكلة عبء اللاجئين في طريقها إلى الحل وفق اتفاق واضح.
وتستضيف تركيا 3.8 مليون لاجئ، معظمهم من السوريين الذين فروا من النزاعات في بلادهم. ويعتبر وضعهم مثيرا للانقسام، حيث يريد بعض الأتراك استضافتهم على أسس إنسانية ودينية، بينما يعارض آخرون استخدامهم للموارد والمساكن والإنفاق الحكومي في بلد يعاني من اقتصاد متعثر.
كما يرى الكثير من الأتراك ذوي الدخل المنخفض أنفسهم في منافسة مع اللاجئين على الوظائف والموارد.
ولا يحمل السوريون في تركيا صفة لاجئ، ويقيمون تحت “الحماية المؤقتة” بصفة “ضيف” منحوا بموجبها بطاقات تُعْرف بينهم بـ”الكيملك”، وتحد من قدرتهم على العمل، وتمنعهم من التنقلات بين المحافظات التركية، إلا بموجب إذن سفر لا يمنح لهم إلا بشروط وحالات خاصة.
وغياب الصفة القانونية المستقرة والأوراق الرسمية وصعوبة الأوضاع الاقتصادية، بالإضافة إلى منع التنقل بحرية، تترك الكثير من السوريين عرضة لاستغلال أرباب العمل، وتدفعهم إلى القبول بأعمال دون الحصول على إذن عمل وتسجيل في الضمان الاجتماعي ما يعني عملهم بشكل مخالف للقانون وبأجور زهيدة.
ويرى المراقبون أنه لا يمكن اتخاذ أي خطوة للتطبيع بين أنقرة ودمشق دون حل هذه الأزمة، خاصة أنها يمكن أن تكون مدخلا لمناقشة موضوع الانسحاب التركي من الأراضي السورية وتفكيك الكتل السياسية والعسكرية الموالية لأنقرة، مشيرين إلى أن أردوغان لن يقبل بمناقشة الانسحاب أولا لعدة اعتبارات من بينها استحالة تحقيق ذلك دون حل أزمة اللاجئين.
وعشية اجتماع موسكو أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن قوات بلاده لن تنسحب في الوقت الراهن من شمالي العراق وسوريا. وقال في مقابلة متلفزة مساء الاثنين “انسحابنا من شمال العراق وشمال سوريا يعني توقف عملياتنا العسكرية ضد الإرهاب واقتراب الإرهابيين من حدودنا، وهذا يشكل تهديدا لأمننا القومي”.
وشجعت موسكو، الحليف الرئيسي لبشار الأسد، على المصالحة مع أنقرة. لكن دمشق تشترط انسحاب القوات التركية انسحابا كاملا لاستعادة العلاقات. وقبل ذلك عقد وزيرا الدفاع السوري والتركي محادثات في موسكو خلال ديسمبر الماضي، في الاجتماع الأعلى مستوى بين البلدين منذ بدء الحرب.
◙ إثارة موضوع عودة اللاجئين هي الهدف الأول للرئيس التركي قبل الانتخابات بأسابيع معدودة وفي خضمّ معارضة واسعة لبقائهم
وقال وزير الخارجية التركي الأسبوع الماضي إنه من المحتمل عقد اجتماع لوزراء خارجية الدول الأربع في أوائل مايو المقبل للبناء على محادثات ديسمبر، لكنه أعلن بعد ذلك أنه تم تأجيله لأن الأطراف لم تتمكن من الاتفاق على موعد.
ولتركيا قوات كثيرة داخل الأراضي السورية، في محافظة إدلب وريف حلب ومناطق أخرى في شمال سوريا وشرقها، ضمن تل أبيض ورأس العين، كما أنها تدعم عسكريا تحالفا مناهضا للأسد، هو “الجيش الوطني السوري”.
ولم يستبعد الرئيس التركي في أكثر من تصريح إمكانية عقد لقاء مع نظيره السوري بشار الأسد. لكن الأسد أعلن أنه لن يلتقي أردوغان إلا إذا سحبت تركيا قواتها من شمال سوريا.
وكان نائب وزير الخارجية السوري أيمن سوسان قد قال، عقب اجتماع سابق مع نظيره التركي في موسكو بحضور إيراني وروسي، “لم نرَ حتى الآن أي مؤشرات إيجابية بخصوص انسحاب القوات التركية من سوريا، أو بخصوص محاربة الإرهاب والقضاء عليه في شمال غرب سوريا وبالأخص في إدلب”.
وأضاف “إذا كان الجانب التركي جادّا فعلا في تصحيح العلاقة مع سوريا، وفي احترام سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، فلا أعتقد أنه ستكون هناك صعوبة في التجاوب مع ما نطرحه”.
“صحيفة العرب”