في ما يشبه أول تعاون استخباراتي أمني بين النظام السوري والأردن وباكورة نتائج عودة النظام إلى الجامعة العربية حيث يحاول هذا الأخير تقديم المعلومات التي تشي بصدق نواياه في تنفيذ بنود اجتماعات وزراء الخارجية العرب، نفذ الجيش الأردني عملية داخل الاراضي السورية، أغارت فيها المقاتلات الأردنية أمس على مناطق محاذية للحدود جنوب سوريا، أسفرت عن مقتل تاجر مخدرات كبير مع عائلته المكونة من 7 أفراد بينهم 6 أطفال.
وقالت مصادر محلية لوكالة رويترز ومن المخابرات الأردنية إن الأردن نفذ ضربتين جويتين نادرتين أمس الاثنين على جنوب سوريا حيث أصابت قوات جيشه مصنع مخدرات مرتبطاً بإيران وقتلت مهرباً يُزعم أنه كان وراء عمليات تهريب كبرى عبر الحدود بين البلدين. وأضافت المصادر لرويترز أن إحدى الضربتين أصابت مصنع مخدرات مهجوراً في محافظة درعا جنوب سوريا مرتبطًا بجماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران والمتحالفة مع الحكومة السورية. وتسببت الضربة الثانية على قرية الشعاب في محافظة السويداء المجاورة بالقرب من الحدود الأردنية في مقتل مهرب المخدرات السوري البارز مرعي الرمثان وأفراد أسرته في أثناء تواجدهم بالمنزل.
جريمة قتل 6 أطفال وأمهم
العملية التي – وعلى الرغم من قتلها المهرب الأول في الجنوب السوري – اعتبرت بنظر الكثيرين فاشلة وعدّت جريمة بحق مدنيين وأطفال لا ذنب لهم في ملف تهريب المخدرات. وقالت وكالات إعلام أردنية، إن الطائرات استهدفت مناطق داخل الحدود مع سوريا، حيث سمع سكان في مناطق مختلفة من إربد والرمثا أصوات انفجارات قوية فجر أمس الاثنين. وأفاد سكان بأنهم سمعوا أصوات طائرات حربية وانفجارات قوية لأكثر من 10 دقائق، في المناطق الحدودية المحاذية خلال ساعات الفجر الأولى. وبحسب فيديوهات متداولة، حلقت طائرات حربية في مناطق حدودية في محافظة درعا والسويداء في الجنوب السوري.
ووفقاً للمتحدث باسم شبكة “السويداء 24” ريان معروف لـ “القدس العربي” فإن صوت انفجار قوي هز قرى وبلدات الريف الشرقي فجر الاثنين، بعد غارة جوية استهدفت منزل مرعي رويشد الرمثان، الكائن في قرية الشعاب القريبة من الحدود الأردنية. وحسب شهود عيان من القرية، فإن القصف تسبب بمقتل مرعي الرمثان، وزوجته هند الرمثان، وأطفالهما حمزة، وعباس، وأسيل، ويمامة، وملك، ولميس. وانتشل الأهالي جثامين الضحايا من تحت الأنقاض. وأكد المصدر أن طفلة وحيدة نجت من القصف، وتم إسعافها إلى أحد المشافي داخل محافظة السويداء، فيما تحول البيت إلى كومة أنقاض، مع سيارة دفع رباعي. ونقل عن أحد أهالي القرية قوله إن الطيران الذي قصف منزل الرمثان، قادم من الاجواء الأردنية. وقال: شنت المقاتلات الأردنية غارة مماثلة على ريف درعا، استهدفت منشأة غير مأهولة، تبعد عن الشعاب أكثر من 40 كم، وحسب معلوماتنا فإن المنشأة تستخدم نقطة انطلاق وتخزين للكبتاغون.
ووفقاً للمصدر فإن مرعي الرمثان، أبرز تجار المخدرات والكبتاغون في المنطقة، والمسؤول الأول عن تهريبها إلى الأردن، مؤكداً أنه “يتبع بعقد مدني لشعبة المخابرات العسكرية، ويقود ميليشيا مسلحة تنشط على الحدود السورية – الأردنية”. من جانبه، قال المتحدث باسم شبكة أخبار “تجمع أحرار حوران” أيمن أبو نقطة لـ “القدس العربي” إن القصف استهدف أيضاً محطة التنقية بين حي الضاحية وبلدة خراب الشحم، والتي تحتوي على مصنع لإنتاج المخدرات تُشرف عليه ميليشيات مدعومة من حزب الله اللبناني، ويستخدم كموقع تخزين مؤقت ومنطلقاً لعمليات التهريب.
موقع “خبرني” الأردني وصف “الرمثان” بانه “كارتيل المخدرات في الجنوب السوري” وأضاف: يتحدر الرمثان من قرية الشعاب جنوب السويداء والملاصقة للأراضي الأردنية وفق رصد خبرني، وتربطه علاقة قوية بتجار مخدرات وحشيش مشهورين في لبنان أيضاً. ويتهم الرمثان باستقطاب الشباب في درعا والسويداء وزجهم للعمل في شبّكة التهريب التي يديرها، مشيراً إلى وجود عشرة أحكام قضائية أردنية، بحق الرمثان وذلك في قضايا تهريب مخدرات.
«التضحية بعملاء مجرمين»
رئيس فرع الإنتربول في سوريا سابقا العقيد مفيد عنداني وصف في تصريح لـ “القدس العربي” العملية التي نفذها الجيش الاردني داخل الاراضي السورية بأنها “عملية تعاون استخباراتي بامتياز بين النظام والأردن، وإحدى نتائج عودة النظام الى الجامعة العربية”. وقال المتحدث: نتيجة لعودة النظام السوري للجامعة العربية، فإنه سيقدم المعلومات التي يحاول الإيحاء من خلالها بصدق نواياه في تنفيذ بنود اجتماعات وزراء الخارجية العرب ولا مانع لديه بالتضحية ببعض العملاء المجرمين الذين صنعهم وينفذون أجنداته وتوجهاته وهي فتات لتسلية الدول العربية ليعبر بها عن جديته في العمل معهم. أما الأمور الجوهرية التي تهم الشعب السوري فلا يمكن أن ينجزها النظام وفق المتحدث وخاصة لجهة تخليه عن المليشيات الإيرانية التي كان لها دور في بقائه. وأضاف: ما حصل هو نتائج الاتفاقات السرية بين النظام ووزراء الخارجية العرب، والاتفاق الذي أعلن عنه، ليس بالاتفاق الواضح ودائماً هناك اتفاقيات سرية تخفي تعاوناً استخباراتياً، وهو ما يعول عليه النظام من أجل تسهيل عودة علاقاته الطبيعية مع الدول الأخرى.
وقال: هذا ديدنه الذي مشى عليه سابقاً مع الدول الأجنبية، وهو معروف لدينا، حيث كان يقدم معلومات استخباراتية من أجل الحفاظ على نوع من الرضى الدولي أو السياسي بينه وبين الدول، ومن أجل الحفاظ على بعض القنوات المفتوحة، وذلك يشبه تماماً ما كان يمارسه في لبنان من عملية التلويح بقضايا تهريب المخدرات ومكافحتها، وهو ما فعله أيضاً مع الدول العربية. وأضاف: لذلك نرى أن سياسة المخدرات نجحت للأسف، كما أن ضعف الدول العربية أدى إلى استكانتها وقبولها بعودة النظام إلى محيطه العربي، بينما هم يعرفون تمام المعرفة أن تصنيع المخدرات وتهريبها ينفذان تحت إشراف مباشر وضمن سلطة أخيه ماهر الأسد بالشراكة مع حزب الله وذلك تحقيقاً لأجندات وغايات سياسية يتم التهديد فيها دول الخليج العربي وتشكل السعودية خصوصاً الوجهة الأساسية لحبوب الكبتاغون.
وأبدى المتحدث أسفه لاتفاق وزراء الخارجية العرب الذي اعتبره أحد أسباب الركون للنظام ولمكافحة المخدرات وقال: النظام هو من يصنعها وهو من يوافق على مكافحتها. وأضاف: وإزاء عملية اليوم فإننا لا نشك في أن هذا الشخص هو أحد أزلام النظام ويقوم بعمليات التهريب الموجه والمدروسة ضمن أجندات النظام وبالتالي فإن العملية استخباراتية، وهي باتفاق وبمعلومات النظام التي حصل عليها الجيش الأردني لذلك قام بعملياته داخل الأراضي السورية. ودلل المتحدث على ذلك بالقول “الدليل قبل الضربة بيومين أعلن الجيش الأردني أنه على وشك شن حملة عسكرية داخل الأراضي السورية، بينما لم يبد النظام السوري أي امتعاض أو تعليق على الأمر وهذا دليل على التعاون الأمني بين الطرفين وهو ما يشي بعمليات مماثلة خلال الأيام القادمة”.
بموازاة ذلك، قال الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، الاثنين، إن الأردن اتفق مع الحكومة السورية على تشكيل فريق أمني سياسي لمواجهة موضوع خطر تهريب المخدرات. وأتى تصريح الصفدي رداً على سؤال حول ضلوع الأردن في غارة جوية أدت إلى مقتل مهرب مخدرات بارز، هو مرعي الرمثان، مع زوجته وأطفالهما استهدفت منزلهم في جنوب سوريا، الاثنين، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان. وأكد الصفدي في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الهولندي، فوبكه هويكسترا، حول الأزمة السورية: “عندما نتخذ أي خطوة لحماية أمننا الوطني ومواجهة أي تهديد له سنعلنها في الوقت المناسب”.
وأضاف “بالنسبة لقضية المخدرات كما أكدنا سابقاً، هي تهديد كبير للمملكة وللمنطقة وللعالم أيضاً في ضوء تصعيد عمليات تهريب المخدرات.. في اجتماع عمّان أشرنا إلى هذا واتفقنا مع إخوتنا في الحكومة السورية إلى أننا سنشكل فريقاً سياسياً أمنياً مشتركاً لمواجهة ها الخطر والانتهاء منه بشكل كامل، مستمرون في العمل من أجل إنشاء تلك اللجنة وسأتصل بمعالي وزير الخارجية السوري قريباً لنبحث كيف نترجم هذا الاتفاق إلى آلية عمل واضحة تساعدنا على مواجهة هذا الخطر والحد منه وقنواتنا مفتوحة مع الحكومة السورية”.
وتأتي هذه الغارة الأولى من نوعها داخل سوريا، بعد بيان صدر مطلع الشهر الحالي في عمان عقب اجتماع ضمّ وزراء خارجية الأردن وسوريا والعراق ومصر والسعودية نص على “تعزيز التعاون بين سوريا ودول الجوار والدول المتأثرة بعمليات الاتجار بالمخدرات وتهريبها عبر الحدود السورية”، بحسب وكالة فرانس برس. وجاء في البيان أن سوريا “ستتعاون مع الأردن والعراق في تشكيل فريقي عمل سياسيين/أمنيين مشتركين منفصلين خلال شهر، لتحديد مصادر إنتاج المخدرات في سوريا وتهريبها، والجهات التي تنظم وتدير وتنفذ عمليات تهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق، واتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء عمليات التهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق” بعد أن بحث وزراء خارجية سوريا ومصر والعراق والسعودية والأردن في لقاء عمان سبل إنهاء الصراع.
حملة عسكرية أردنية
الغارات جاءت في أعقاب تهديدات كان قد وجهها وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، الجمعة الماضي، بشن عملية عسكرية في الداخل السوري بهدف وقف عمليات تهريب المخدرات. وقال الصفدي في تصريحات لمحطة “CNN” الأمريكية، إن العديد من الأشخاص عانوا من عواقب “الأزمة السورية”، بما في ذلك الأردن، وسيحرصون على القيام بكل ما يلزم للتخفيف من أي تهديد لأمن الأردن. وتابع: “نحن لا نتعامل مع تهديد المخدرات باستخفاف”، مشيراً إلى أنه “في حال لم نر إجراءات للحد من هذا التهديد، فسنقوم بما يلزم لمواجهته، بما في ذلك القيام بعمل عسكري داخل سوريا”.
“القدس العربي”