في إطار تكثيف نشاطاتها التي من شأنها إظهار قدرتها على إدارة المنطقة عسكرياً ومدنياً، وفي محاولة للتمدد بالوسائل الناعمة، واستقطاب النخب والفعاليات الاجتماعية، وضمن سياسة هيئة تحرير الشام لإعادة تموضعها استجابة للتحولات السياسية المقبلة على الملف السوري، عقدت “هيئة تحرير الشام”، في منطقة “باب الهوى” شمالي إدلب، مؤتمراً حمل عنوان “المؤتمر الثوري لأهالي حلب الشهباء”.
ودعت الهيئة إلى المؤتمر ثوار حلب ومنظمات مدنية ونشطاء من أهالي إدلب وحلب، من خلال عملية استدراج حضور مدني إلى المؤتمر وخاصة الفعاليات السياسية والمنظمات الثورية، بعد الترويج للمؤتمر على أنه “مستقل لا يرتبط بأي جهة عسكرية”.
لكن حسب مصادر “القدس العربي” فقد كان لافتاً حضور أبو محمد الجولاني، زعيم “هيئة تحرير الشام”، كما قدم القائمون على المؤتمر “درعاً تكريمياً” له، الأمر الذي أثار زوبعة من الانتقادات من قبل الحضور، والشارع السوري المعارض.
وأعلن الجولاني خلال كلمة ألقاها في “المؤتمر الثوري لأهالي حلب الشهباء”، أن “حلب هي بوابة الشام، ويجب التركيز عليها وخلال السنة القادمة أو السنتين سيكون هناك تغيير جذري على واقع المعركة في الثورة السورية، مع كل هؤلاء الأعداء، كما أن الجاهزية العسكرية في أعلى مستوى”.
واعتبر الجولاني في كلمته أن الثورة السورية قوية ومتينة، وقامت خلال السنوات الماضية، على بناء مؤسسات مدنية وعسكرية وأمنية وتعليمية واقتصادية وقضائية، كما أن الثورة تعيش عصرها الذهبي”.
«حلب أكبر منك»
وانتقد ناشطون ومتابعون، ظهور الجولاني “مكرماً” بدرع باسم مدينة حلب، حيث كتب القيادي في الجيش الوطني السوري، “الفاروق أبو بكر” عبر صفحته الشخصية على موقع “فيسبوك” يقول “حلب أكبر منك ومن يلي كرمك”.
وللبحث في أهداف المؤتمر والرسائل التي وجهها الجولاني، أبدى الباحث لدى مركز مشارق ومغارب عباس شريفة، اعتقاده لـ “القدس العربي” بأن المؤتمر الذي عقد برعاية هيئة تحرير الشام لثوار مدينة حلب ومحافظة حلب يأتي ضمن سياسة هيئة تحرير الشام بإعادة تموضعها استجابة لطبيعة للتحولات السياسية القادمة على الملف السوري والمرافقة لتغيرات قد تحدث بالحرب الأوكرانية والانتخابات التركية ومسار التطبيع العربي، حيث قال إن ملف هيئة تحرير الشام قد يكون أحد الملفات التي يتم التفاوض عليها، لذلك اعتبر أن “الهيئة تحاول ان تلتصق بالحاضنة المحلية خصوصا في ريف حلب الشمالي الذي يقع تحت سيطرتها”.
وعن أهداف المؤتمر، اعتبر شريفة أنه يصب في “تغير في التكتيك بعدما فشلت الهيئة في دخول شمال حلب بطريقة عسكرية وباجتياح عسكري بسبب الممانعة التركية، فهي تحاول اليوم أن تسلك سلوك التمدد بالوسائل الناعمة من خلال المؤتمر واستقطاب النخب وإيجاد مجاميع مدنية مرحبة بمشروع الهيئة وبالتالي يصبح مشروع الهيئة هو من منطلق المطالبة الشعبية وليس مشروع تغلب أو اجتياح عسكري”.
وكل ذلك وفق رأي الباحث هو من أجل أن تضمن الهيئة استمرار وجودها في المرحلة المقبلة وتتجنب استهدافها من خلال صفقات الحل بين الدول المعنية بالشأن السوري.
وحول وسائل وأساليب هيئة تحرير الشام وأنشطتها التي من شأنها اظهار قدرتها على إدارة المنطقة عسكريًا ومدنيًا اعتبر الباحث لدى مركز جسور للدراسات الاستراتيجية، رشيد الحوراني لـ “القدس العربي” أن هيئة تحرير الشام بدأت بتكثيف نشاطاتها بشكل فعلي وواضح، أواخر العام الماضي، منذ محاولاتها التوغل والسيطرة على مناطق الجيش الوطني وعدم قدرتها على تحقيق ذلك لأسباب تتعلق بالمواقف الإقليمية والدولية، حيث صعدت الهيئة وفق المتحدث من عملياتها العسكرية ضد قوات النظام من خلال اعتمادها على أساليب قتال توفر عليها المواجهة العسكرية التقليدية من خلال القنص والكمائن، وكان لتلك العمليات تأثير واضح في صفوف النظام، ورسائل للأطراف المحلية (فصائل المعارضة وحاضنتها) على أنها غير مبالية في مواجهة النظام، وأيضاً للأطراف الإقليمية وعلى رأسها تركيا التي أعلنت بدء مسار التطبيع مع النظام.
وأضاف “ترافق الجانب العسكري مع مجموعة من النشاطات المدنية التي تريد من ورائها الهيئة إظهار القدرة على التحكم وإدارة المكونات المجتمعية والثورية، ومنها هذا المؤتمر الذي يمكن أن يكون رداً على المؤتمر الثوري العام الذي عقد في منطقة الراعي بحضور ممثلين رسميين عن كافة قطاعات الثورة وكان المؤتمر آنذاك لرفض التطبيع مع النظام”.
وحول تخصيص الهيئة مؤتمرها لأهالي وثوار حلب، اعتبر المتحدث أن السبب في ذلك هو تحديد هدف لشريحة واسعة من المنطقة وإحراج الفصائل التي تنتمي للمدينة أمام حاضنتها، كما أنها بداية لزرع فتيل نزاع فيما بينها يقود في النهاية لاستقطاب من لامس خطاب الجولاني عواطفه للانتماء الى الهيئة سواء بشكل فردي او جماعي.
توقيت المؤتمر؟!
أما توقيت المؤتمر، فإنه يأتي بالتزامن مع ازدياد وتيرة التصريحات التركية للتطبيع مع النظام بسبب الانتخابات، وهنا تريد الهيئة أن تقول “لنا مسار خاص بنا يفترق عن المسار التركي ولدينا القدرة على تحقيقه، ومن الممكن أيضاً أن يكون بغض نظر عن الجانب التركي ليلوح أنه في حال انصياع النظام لمطالبه فان عصا التأديب ضده جاهزة”.
ولم يعد خافيا على أحد التحول الكبير في مقاربات هيئة تحرير الشام، والذي يهدف إلى تحريرها من قيود التصنيف والشيطنة، وهو ما عبّر عنه الكاتب والمحلل السياسي المحامي عبد الناصر حوشان لـ “القدس العربي” وذلك من خلال تحسين الوضع الأمني والاقتصادي والإداري في مناطق سيطرتها.
وقال: تحاول الهيئة الحفاظ على هيبتها وقوتها العسكريّة باعتبارها قوة “ثوريّة” بعد تحييد القادة أصحاب الفكر الجهادي، في محاولة لاستقطاب منتسبين جدد واستقطاب فعاليات اجتماعية لتكون عوناً لها في إدارة المنطقة، ومن خلال المؤتمر الثوري المذكور كانت هذه التوجّهات واضحة وفق المتحدث.
رسائل الجولاني
الأمر المثير للاهتمام هو حديث الجولاني عن قرب موعد تحرير حلب، وهو ما اعتبره حوشان بأنه “حلم كبير يراود كل الأهالي في المناطق المحررة” معتبراً أن الجولاني أراد توجيه رسالة “للداخل والفصائل الأخرى بضرورة مدّ اليد وإعادة بناء جسور الثقة لتشكيل كيان مشترك قادر على مواجهة التحدّيات التي فرضها تطبيع النظام الرسمي العربي مع إيران ونظام الأسد التي تهدد وجود الثورة والمناطق المحررة”.
أما الرسالة الأخرى فهي موجهة وفق المحلل السياسي، للنظام الرسمي العربي والمجتمع الدولي بأن الهيئة قادرة على قلب الطاولة على كل من يحاول فرض حلول استسلامية على الشعب السوري، مضيفاً أن “المؤتمرات فرصة لترويج المقاربات والخطط كما أنها فرصة لتعبئة الرأي العام نحو قضايا محددة”.
وقال حوشان “لو عدنا إلى تصريحات المسؤولين العرب أثناء اجتماع عمان لوجدنا انهم صرّحوا بنيتهم في القضاء على “الإرهاب” في شمال غرب سوريا، والمقصود بها هيئة تحرير الشام، إضافة للتصريحات والاستعدادات الروسية ونظام الأسد كلّها تؤكد قرب المعركة والتي لن تتأخر كثيراً بعد انتهاء الانتخابات في تركيا”.
“القدس العربي”