ثريا شاهين
المستقبل –
حرصت فرنسا من خلال تحركها الأخير في اتجاه كل من بيروت ودمشق، حول الوضع اللبناني وتشكيل الحكومة، على إبقاء مسعاها خارج نطاق التدخّل في الشأن الداخلي، إنما عرض ما يمكنها القيام به لتقريب وجهات النظر بين الأفرقاء تسهيلاً لتأليف الحكومة ووضع حد للعراقيل التي تواجه ذلك.
وفي حين لا تعتبر مصادر ديبلوماسية رفيعة المستوى التحرك الفرنسي مبادرة واضحة المعالم، إلا أنها تؤكد أنه يأتي استكمالاً للمساعي الفرنسية حيال لبنان، والتي لم تتوقف في الأساس، وإن اتخذت أشكالاً متعددة، وبالتالي فإن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تعمّد إيفاد أبرز الشخصيات في جهاز عمله، مستشاره الخاص هنري غينو الى لبنان، والمدير العام للرئاسة كلود غيان الى دمشق، وبالتزامن، ما يعني أن هناك جهداً فرنسياً يصب في إطار إبقاء باريس على موقفها الداعم للبنان وللاستقرار فيه. وجاءت هذه الخطوة غداة اللقاء الذي جمعه والرئيس ميشال سليمان على هامش افتتاح أعمال الدورة 64 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، الأمر الذي يعتبر مؤشراً كافياً الى الاهتمام الفرنسي بأن يكون مسار الاستحقاقات الداخلية اللبنانية من دون عراقيل وتدخلات سلبية.
وتوضح المصادر أن مباحثات المستشار الرئاسي الفرنسي في بيروت والتي شملت كل القيادات، تركزت على ما يلي:
ـ إعادة الدعم الفرنسي للحكم اللبناني ولرئيس الجمهورية ولموقع رئاسة الجمهورية، وللمؤسسات الدستورية كافة. وترى فرنسا أن وجود رئيس توافقي للبنان فرصة مهمة يجب تثميرها في الاستقرار الداخلي، من طريق دعم الأفرقاء للرئيس، وأن تكون له، بالتالي، الكلمة الفصل في المسائل المطروحة.
ـ إن لدى فرنسا قلقاً شديداً من بعض المؤشرات التي تُعتمد في الأداء السياسي والتي تؤدي إذا ما تمادت الى هيمنة جهة على جهة، لذلك كانت مسألة منع الهيمنة محورية، في اللقاءات التي عقدها غينو مع الجميع، لا سيما مع الجهات التي تسعى الى فرض أمر واقع مع عملية تأليف الحكومة.
ـ تم إبلاغ المسؤولين اللبنانيين بالمشاورات الفرنسية ـ السعودية حول الموضوع اللبناني. وثمة تنسيق كبير بين الطرفين سعياً الى إخراج الملف الحكومي من الجمود، بحيث تكون للبنان حكومة فاعلة تتولى مسؤولياتها. وثمة استغراب كبير كيف أن العلاقات الدولية ـ الإقليمية تسير في اتجاه الحوار والتفاهمات، في حين تبقى الأمور في لبنان على جمود وسط تعقيدات تشكيل الحكومة. ومن بين أسباب التعقيدات سعي بعض الجهات الى تحقيق مكاسب على حساب جهات أخرى، الأمر الذي أدى الى سيطرة نوع من "مزاج أو صالة الانتظار" على الوضع السياسي. وهذا يجب ألا يطول أكثر.
أما بالنسبة الى زيارة غيان الى دمشق، فتؤكد المصادر، أنها جاءت في السياق نفسه لزيارة غينو الى بيروت، مع أن هناك مواضيع مطروحة بين باريس ودمشق جرى التطرق إليها، مثل إعادة تطبيع العلاقات الثنائية، والانفتاح الأوروبي على سوريا وسبل استكماله، فضلاً عن مسار العلاقات الدولية مع سوريا. لكن خلال الزيارة، شجعت الديبلوماسية الفرنسية دمشق على تسهيل تأليف الحكومة عبر ضرورة رفض هيمنة فريق على آخر، تماماً كما تم التعبير عنه من خلال التحرك الفرنسي في لبنان. كما حضت فرنسا سوريا على التنسيق مع المملكة العربية السعودية عشية القمة السعودية ـ السورية المرتقبة خلال ساعات، لقيام دور سوري إيجابي يمنع الاستمرار في عرقلة تشكيل الحكومة.
وترى باريس أن التحرك السعودي في اتجاه دمشق سينعكس إيجاباً على الموضوع اللبناني، وكذلك التحرك السعودي ـ المصري، بحيث لا يبقى أي طرف مؤثر، خارج إطار المساعي الحاصلة في المنطقة، فضلاً عن الدور السعودي في تقريب وجهات النظر المصرية ـ السورية.