على مدى السنوات الـ11 الماضية من حكم حزب العمال، ظل المعلقون الإنجليز يرددون بمرارة عبارة بروز "مافيا اسكتلندية" يزعم أنها استولت على الحكومة. لقد أتخم توني بلير دائرة المقربين منه بالاسكتلنديين. فغوردن براون، وهو اسكتلندي، له زميل اسكتلندي في منصب وزير الخزانة، وهناك اسكتلندي يترأس مجلس العموم. ومن بين ما يشتكي منه الإنجليز أن حصة الفرد الاسكتلندي من المال العام في المملكة المتحدة تفوق بمجملها ما يحصل عليه الجيران جنوب الحدود والبالغ تعدادهم 50 مليونا. والأسوأ من ذلك أنه حسب ترتيبات الحكم الذاتي الاسكتلندي، فإن بإمكان أعضاء البرلمان الاسكتلنديين أن يصوتوا على مسائل تؤثر على دافعي الضرائب الإنجليز، فيما معظم الأمور التي تخص الاسكتلنديين يتخذ القرارات بشأنها ممثلوهم في أدنبرة. وفي وقت قريب جدا، كان نقاد براون داخل حزب العمال الذي يتزعمه يشيرون في الصيف الماضي إلى أصوله الاسكتلندية باعتبارها أحد أسباب تراجع شعبية الحزب، خصوصا في الجنوب الأكثر غنى.
ولكن لم يعد هناك من أحد يرفع صوته بالشكوى. ففي أوقات الأزمات، فإن الصفات النمطية للاسكتلنديين، خصوصا مزاج التجهم باعتباره ضربا من الأخلاق الحميدة، تعزز الآن من جاذبية رئيس الوزراء. ففي الشهرين الماضيين، ارتفعت معدلات شعبية براون 10 نقاط أو أكثر لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ انتقل إلى 10 داوننغ ستريت في يونيو 2007. وفي هذه الأثناء، فإن وزير الخزانة في حكومته الذي يتحدث بنبرة هادئة، أليستير دارلينغ، والذي انتخب مرتين باعتباره السياسي الممل الأول، حظي بالمديح على أدائه، معززا الفكرة بأن التجهم في زمن الكفاح لتعزيز الاقتصاد أمر جيد.
صحيح أن الإنجليز أنتجوا رؤساء وزراء متجهمين من بني جلدتهم، لكن براون له خصوصيته. فهو ليس اسكتلنديا فحسب، بل هو "ابن القسيس"ـــ حيث كان والده كاهنا بريسبيتريانيا ـــ وهو النوع الذي يفترض أنه يجسد قيم الاستقامة. يقول مالكوم ريفكايند، وهو عضو برلمان محافظ نشأ في اسكتلندا: "الصفات التي يتسم بها براون يمكن أن توجد في أي وزير آخر، ولكن لو كنت ابن كاهن وتبدو متجهم الوجه وتعسا وتتسم بخصائص شخصية "سكروج البخيلة البائسة، فإنه أمر لا يقاوم أن تربط بين ذلك وبين كونك اسكتلنديا".
وسواء كان هذا الكلام دقيقا أو غير ذلك، فإن مثل هذه الأحكام المسبقة حول اللهجة وجغرافية النشأة لها جذور عميقة في المملكة المتحدة. ومن ذلك أن شكسبير الإنجليزي كان يسخر بشكل دائم من شخصياته الويلزية باعتبارهم ثرثارين مغرمين بالشكليات والتفاصيل. ويقول خبراء استطلاع الرأي العام إن أحد الأسباب وراء فشل زعيم حزب العمال السابق نيل كينوك في الفوز بمنصب رئيس الوزراء في أوائل التسعينات من القرن الماضي هو لكنته الويلزية التي جعلته في عيون الناس ضعيفا أحمق. وحتى بين الإنجليز أنفسهم، يمكن للكنة أن تسبب الاستفزاز، خصوصا إذا انطوت على تلميح بالتعالي. وكما لاحظ الكاتب المسرحي (الإيرلندي) برنارد شو عام 1912: "من المستحيل لأي رجل إنجليزي أن يفتح فمه من دون أن يجعل رجلا إنجليزيا آخر يكرهه أو يزدريه". وعلى النقيض من ذلك، فإن التاريخ يمكن أن يعمل لمصلحة اسكتلندا. سواء كان السبب هو الطبيعة الجرداء أو الطقس البارد جدا أو الشكل المتشدد من المذهب الكالفني الذي ترسخ في القرن الـ16، فإن هناك خصلة جدية في الشخصية الاسكتلندية، على الأقل كما يراها الإنجليز. حاول بجهد أكثر وستجد أن من الممكن ربط براون بتقليد فكري اسكتلندي أنتج العالم الاقتصادي آدم سميث، الأب الفكري لنظرية التجارة الحرة وصديقه فيلسوف التنوير ديفيد هيوم، الذي جاهد لعقد صلح بين الأخلاق والسوق. إلى جانب ذلك، تقبع في العقل الباطني البريطاني ذكريات الزمن الذي كان فيه الاسكتلنديون البخلاء الأكفاء يديرون الإمبراطورية البريطانية. قد يكون الإنجليز هم من زرعوا الأعلام، لكن الاسكتلنديين هم من أداروا البنوك ومولوا بناء السكك الحديدية. وبغض النظر عن أن أسطورتين من مؤسسات الأعمال الاسكتلندية، البنك الملكي الاسكتلندي وأتش بي أوه أس احتاجتا إلى إنقاذ الحكومة بعد عمليات إقراض متهور، إلا أن براون المعروف بحصافته نفذ مبدأ الرقابة القديم وفرض السيطرة على المؤسستين. وقد توصل استطلاع للرأي العام إلى أن الاسكتلنديين سجلوا أعلى المعدلات بين عينات دراسة استطلعت رأيهم في مسألة استحقاق الثقة. (زعيم المعارضة ديفيد كاميرون، من ناحيته، يتحدر من جنوب شرق إنجلترا، لكن لكنته الراقية تتحدى التعريف الجغرافي وتطأ أرضا سياسية غدارة ومزعجة أكثر من الجغرافيا: الطبقة).
ونجاح براون يجلب معه خطره الخاص. فبعد تلقى المديح باعتباره العقلية المتفوقة التي أنقذت النظام المصرفي العالمي، فإن ثقته بنفسه تزداد وبدأ يفقد بعض التجهم والسمات المرتبطة بالكساد. يقول جون كيرتيس، وهو مرجعية في السياسة البريطانية في جامعة ستراثكلايد بغلاسكو: "ثمة أمر واحد سيلاحظه الناس بشأن غوردن براون ـــ ربما لأنه يعمل في منطقة صعبة ـــ وهو أنه يبتسم". وفي الأسابيع الأخيرة، انطلق وجهه بابتسامة بين حين وآخر وحاول إطلاق النكات في المؤتمرات الصحافية. والأسوأ من ذلك أن خططه الاقتصادية تتضمن إعفاءات ضريبية وموجة من الإنفاق العام يمقتها أي اسكتلندي كالفيني جيد. لذا فهو في الوقت الذي يمتدح فيه فضائل التجارة الحرة، فإنه أيضا يقتبس موافقا عن جون مينارد كينيس، وهو، إن جاز لنا القول، رجل إنجليزي. وهنا يكمن تفسير أرقام الاستطلاعات.
تاريخ النشر: الثلاثاء 2/12/2008
"نيوزويك"