هناك جانب داخليّ للعملية الأخيرة يتعلّق برفض تنظيم خراسان، الذي تأسس عام 2015، لتعامل حركة «طالبان» الحاكمة في أفغانستان مع روسيا (ذات التاريخ السيئ لاحتلالها البلاد من 1979 إلى 1989) وهناك جانب خارجي، يتمثل برغبة الانتقام من دور موسكو في تقليص نفوذ التنظيم الأم لـ«الدولة الإسلامية» في سوريا (وقبلها في العراق) وكذلك دورها في أفريقيا التي تعاظم فيها أيضا وجود التنظيم (تحت اسم «ولاية الساحل») في مالي والصومال وموزامبيق.
يتمدد نفوذ التنظيم «المادي» ويتقلّص حسب الظروف العسكرية والأمنية، ولكونه مطاردا ومستهدفا من أقوى النظم الأمنية والعسكرية في العالم، أصبح تنظيم «الدولة» جزءا من الشبكات المظلمة على الإنترنت، وتحوّل إلى مزيج من قوة رقمية وأمنية، وهذه القوة نفسها هي نقطة الضعف التي تفتح إمكانيات التلاعب به وتعزز احتمالات اختراقه من أجهزة الاستخبارات وتوظيفه في الصراعات العالمية الكبرى التي تمثّل الإسلاموفوبيا إحدى أكبر ظواهرها. إحدى مفارقات العالم الرقمي، مثلا، أن التنظيم أعلن عن عمليته الأخيرة في موسكو على موقع «تلغرام» الشهير للتواصل الاجتماعي الذي طوره مبرمجان روسيان.
التنظيم هو أيضا أحد التداعيات الاستراتيجية للحرب الباردة بين روسيا وأمريكا، القوتين اللتين احتلّتا أفغانستان، الواحدة بعد الأخرى، كما أن الفرع الأساسيّ للتنظيم كان أحد تداعيات السنوات الطويلة لحصار العراق، واحتلاله أمريكيا، ثم تركيب نظام هجين يقوم على المحاصصة القومية والطائفية ويغتال الناشطين ويحارب الحراك الشعبي، بالتضافر مع الإسقاط الوحشيّ للثورة الشعبية في سوريا، الذي شاركت فيه روسيا.
فتح الصراع الأمريكي – الروسي في أوكرانيا، والهجوم الإسرائيلي الوحشيّ المدعوم أمريكيا على غزة الأبواب لاختلالات عالمية كبيرة، كما أبان، وبوضوح، أن المصدر الرئيسي للكوارث السياسية العالمية هو إرهاب القوى العظمى الذي يؤسس، بدوره، لأشكال من ردود الفعل الإرهابية التي لا يمكن تبرير فظاعتها.
رغم أن اصطلاح الإرهاب، يعود تاريخيا إلى «عهد الإرهاب» خلال الثورة الفرنسية (1793-1794) والذي لجأت فيه الدولة إلى أحكام الإعدام الجماعية لآلاف البشر، فإن القوى العظمى تلاعبت بهذا المفهوم وقصرته على المنظمات الصغيرة لا الدول، وذلك لتقديم مبرر قانوني لإرهاب الدول، فتصبح الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين «دفاعا عن النفس» ويصبح دفاع الفلسطينيين عن أرضهم وشعبهم «إرهابا».
أخلّ تنظيم «الدولة» بنضالات الشعوب التي ينطق باسمها، وارتكب فظاعات لا تختلف، من حيث المبدأ، عن فظائع أمريكا وروسيا في أفغانستان والعراق وسوريا ضد المدنيين، وهو يقدّم، بهذه الفظائع، المبررات لقوى الفاشيّة الغربية والإسرائيلية للاعتداء على المسلمين، وانتهاك حرماتهم، كما يسمح لأنظمة الاستبداد بانتهاك الحريات وارتكاب الجرائم والاستيلاء على السياسة.