تحذير الكيان الإسرائيلي لأوروبا من مغبة الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة ، يكشف مزيدا من الحقائق التي تمثل دليلاً كافيًا على هوية الطرف المعرقل لعملية السلام ، والتي حاول المسؤولون الإسرائيليون إلصاقها بالطرف العربي والفلسطيني والتحجج بعدم وجود شريك فلسطيني يمكن التحاور معه.
استعداد الاتحاد الأوروبي دراسة قرار يعلن فيه تقسيم القدس ـ حسب ما سربت ذلك وسائل الإعلام الإسرائيلية ـ واعتبار القدس الشرقية المحتلة عاصمة للدولة الفلسطينية والاعتراف بهذه الدولة، هو في حقيقة الأمر ليس صدقة يتفضل بها الاتحاد الأوروبي على الشعب الفلسطيني بحيث يمكنه أن يتراجع عن صدقته وأعطيته تحت أي ظرف من الظروف ،وإنما الاعتراف في حد ذاته أمر تفرضه الشرعية الدولية والشرائع السماوية والقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن ذات العلاقة ، فمن الناحيتين الشرعية والأخلاقية كل الأطراف الدولية المعنية بصراع الشرق الأوسط مكلفة بأن تلبي وتنفذ مطالب الشرعية الدولية، ولا تحتاج مثل هذه الخطوة إلى الدراسة وإلى مزيد من البحث والتقصي .
لأن كل المعطيات الآن بل ومنذ ما بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو أصبحت واضحة لا تقبل الجدال والخلاف بأن الكيان الإسرائيلي يماطل ويسوف في عملية التسوية، وكلما حانت لحظة استحقاق عاد إلى حيله وخدعه المعهودة ليتنصل من كل استحقاق والتزام ، وما تحذيره اليوم لأوروبا من الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية تحت الزعم بأن ذلك لن يكون في صالح عملية السلام ، إلا ضرب من المناورات الإسرائيلية التي أصبحت مكشوفة ومفضوحة ، حيث شرع الكيان الإسرائيلي في حملة دبلوماسية واسعة النطاق لإفشال المسعى الأوروبي ، ولإثارة البلبلة والإرباك في الصف الأوروبي قبل تدارس القرار.
الأمر الذي يدعو الأوروبيين إلى إبداء شيء من الشجاعة والتنبه لما يسوقه الإسرائيليون وتبني القرار وعدم الالتفات إلى ترهات مدعي السلام الإسرائيليين ، والنظر إلى الموقف الإسرائيلي الرافض للمسعى الأوروبي على أنه دليل إضافي إلى جانب رفض تجميد الاستيطان يؤكد أن ليس ثمة استعداد إسرائيلي حقيقي للسلام ، وما يتم تداوله على لسان المسؤولين الإسرائيليين عن رغبتهم في الوصول إلى السلام ، إنما هو من قبيل إضاعة الوقت بالنسبة للأطراف الساعية إلى السلام وبالأخص العرب والفلسطينيون، واغتنام فرصة مشاغلتهم بالكلام المعسول لإحراز تقدم سريع على الأرض؛ سرقةً واستيلاءً عبر سرطان الاستيطان وزراعة الأرض الفلسطينية بالمستوطنات.
لقد آن الأوان ليس لأوروبا فحسب وإنما لكل الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي أن تتبنى هذا القرار وتسارع إلى الاعتراف بحق الفلسطيني باسترجاع حقوقه المسلوبة وإقامة دولته وعاصمتها القدس الشرقية وفق القرارات الدولية ذات الصلة، والبعد عن سياسة الإملاء الإسرائيلي والانحياز الأعمى وغير المحسوب لهذا الكيان الغاصب ، وضرورة نظر الغرب بشكل خاص إلى مصالحه في المنطقة والتي يقوم بتوفيرها وحمايتها ورعايتها العرب عموما الذين يناشدون ويطالبون بأهمية الانصات إلى صوتهم الداعي إلى السلام وأخذه بشيء من الجدية والمسؤولية.
على الجانب الآخر نرى أن التحرك الإسرائيلي لن ينال شيئًا من المصداقية والقبول إلا إذا تراخى العرب عن القيام بتحرك مضاد أكثر قوة وأشد تأثيرًا، أي أن النجاح الإسرائيلي في إفشال كل مسعى غربي لإنعاش عملية السلام لا يعفي الجانب العربي والفلسطيني من المسؤولية، ولذلك كل التمني أن تنشط الدبلوماسية العربية باتجاه أوروبا لعل وعسى أن يتكلل قرار الاعتراف بالقدس الشرقية وبالدولة الفلسطينية بالنجاح حتى ولو من الناحية المعنوية والشكلية.
الوطن