يأخذ مضمون التعاون الاقتصادي الجماعي العربي أشكالا متعددة، ابتداء من أبسطها الذي يتمثل بعلاقات اقتصادية عادية تسمح بالتبادل التجاري والمالي، أو استثمارات مشتركة لموارد مشتركة بين الدول العربية، وصولا إلى وحدة اقتصادية تتمثل بسوق اقتصادية واحدة، وما يتبع ذلك من تنسيق كلي في مجالات السياسة الاقتصادية والمالية والنقدية، عبر مؤسسات تنشؤها الدول العربية خصيصا لهذه الغاية.
وبغض النظر عن مضمون أي تكتل اقتصادي عربي فإنّ أسسه تُبنى: أولا، على فرضية. وثانيا، على معطيات قائمة. وثالثا، على أهداف يتوجب العمل على تحقيقها.
إنّ الفرضية تنطلق من أنّ أساس التعاون الاقتصادي العربي لا يرتكز فقط على رقعة جغرافية ومنفعة اقتصادية مشتركة متأتية عنها، بل أنّ جذوره تمتد إلى الثقافة واللغة والتاريخ، وإلى تطلعات مستقبلية مشتركة، إذ أنّ النظرة الاقتصادية تعلِّمنا أنه كلما توسعت آفاق السوق توسعت أيضا فرص تطوير الكفاءة الإنتاجية ومستوى الإنتاج.
ومن أجل تحقيق أهداف التعاون الاقتصادي العربي يجدر بصنّاع القرار العرب التنبه إلى المجالات التالية (1):
1- تسهيل إجراءات الدخول والخروج للمواطنين العرب إلى كل دولة عربية، مع التركيز على بحث وتذليل العقبات التي تضعها حاليا بعض الدول العربية وإعطائها فرصة زمنية لتنفيذ ذلك طالما تعذر التنفيذ الفوري.
2- إلغاء القيود الجمركية على تبادل السلع والخدمات بين الدول العربية، وإذا كانت منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى قد ألغت حتى الآن ما يقرب من 70 % من الرسوم الجمركية فإنّ الباقي منها مطلوب إلغاؤه خلال فترة قصيرة.
3 – وضع خطة تتضمن مشروعات إنتاجية وخدمية وتعليمية وصحية لتنمية الدول العربية الفقيرة في ضوء خطة تكامل عربي، يشترك في تنفيذها رجال الأعمال العرب في ضوء المزايا التي تمنحها لهم هذه الدول، كما يساهم في إنشاء هذه المشروعات المواطنون العرب عن طريق الاستثمار المباشر أو بشراء الأسهم.
4 – عرض الأسهم الجديدة المطروحة لإنشاء شركات مشتركة داخل المنطقة العربية على كافة الأشخاص الطبيعيين والمعنويين في كل الدول العربية دون استثناء، على أن تأخذ الصيغة العربية المشتركة، وبما يؤدي إليه ذلك من إنشاء فروع لهذه الشركات في مختلف الدول العربية حسب دراسات جدوى اقتصادية.
5- فتح الأسواق العربية أمام كل المهنيين العرب، لإنشاء صناعات صغيرة ومتوسطة حسب متطلبات كل دولة وفي المكان الذي يتناسب مع الإنتاج والتسويق فيها، وإنشاء أجهزة جديدة لتدريب الحرفيين ومنحهم شهادات تتيح لهم إنشاء مركز عمل في أي دولة عربية، على أن تقدم لهم الحكومات العربية كافة التسهيلات والمزايا التي تقدمها للأجانب والمواطنين الأصليين.
6- إنشاء المشروعات الكبرى المطلوبة لتسهيل التنقلات بين الدول العربية ووضع البنية الأساسية لها من طرق وجسور وأنفاق وكهرباء ومياه .. الخ، على أن يقوم بإنشائها شركات عربية متعددة الجنسية وأن يشترك فيها رجال الأعمال العرب.
7- دمج البنوك العربية صغيرة الحجم، بالإضافة إلى الشركات العربية الصغيرة العاملة في مجالات إنتاجية متشابهة.
إنّ قيام السوق العربية المشتركة يعتبر من أهم الركائز للتعاطي المجدي مع تحديات العولمة والشراكات الإقليمية، ذلك أنّ التكتل الاقتصادي العربي يساهم مساهمة كبرى في رفع مستوى الإنتاجية للاقتصاديات العربية وتوسيع قاعدتها، وفي ترسيخ المناخ الاقتصادي الملائم. بل أكثر من ذلك، فإنّ لها مضمونا آخر تنامت أهميته كثيرا في ظل مسيرة العولمة، وهي القوة التفاوضية المنبثقة عن الوحدة الاقتصادية تجاه الكتل الاقتصادية الكبرى. فمن البديهي أنّ التفاوض أو التعامل العربي الجماعي مع التجمعات الاقتصادية الخارجية يقوّي القدرات التفاوضية للبلدان العربية، ويفتح أمامها – بالتالي – فرصا للإفادة من التعاون والشراكة معها، وهي فرص تكون محدودة في حال تفاوض كل دولة عربية على انفراد.
إنّ أول شروط نجاح الدول العربية في الشراكات الإقليمية يكمن في إدراكها للمناخ الذي تعمل فيه ولطبيعة المشكلات التي تواجهها، وفي وضع تصور واضح وشامل واعتماد الأسلوب المناسب في تنفيذه. لذا فإخراج الدول العربية من الموقف السلبي وإقناعها، بالمحسوس، بأنّ تحقيق أمن ومصالح دولها مستحيل من دون غطاء عربي وارتباط توافر الغطاء العربي بفعالية مؤسسات العمل العربي المشترك، وهذا يستدعي الخروج من حالة التركز على الذات القطرية والانفتاح على الدائرة العربية.
على أي حال، بين هذا وذاك، يجب ألا ينسى العرب أنهم لن يحصدوا شيئا إذا لم يعودوا إلى التفكير بذاتهم، فهم يدخلون خضم الشراكات الاقتصادية، مع الخارج الإقليمي والدولي، دون سلاح الإرادة الموحدة للحوار والتفاوض، ودون رؤية مشتركة للمستقبل، ودون وجود لأية مؤسسة اقتصادية إقليمية عربية ذات فعالية. ويبقى صحيحا – على الدوام – أنّ مَن يخسر نفسه لا يفيده إن كسب العالم، بل لا يستطيع أن يكسب أحدا إذا فقد وزنه واحترامه ومكانته وذاته.
(1) – انظر د. عبدالله تركماني: جامعة الدول العربية والشراكات ( محاضرة في إطار الدورة التاسعة لمعهد العلاقات الدولية/الجمعية التونسية للدراسات الدولية – سبتمبر/أيلول 2001، نُشرت في المجلة الفصلية للجمعية " دراسات دولية " – العدد (82)، يناير/كانون الثاني 2002 ).
تونس في 23/11/2008 الدكتور عبدالله تركماني
كاتب وباحث سوري مقيم في تونس
(+) – نُشرت في صحيفة " الوقت " البحرينية – 27/11/2008.