لم يكن إعلان فوز رئيس وزراء تركيا رجب طيب إردوغان أمس بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام إلا تتويجا لجهود متواصلة على مدار الأعوام الماضية أثبت من خلالها اعتدال المسلمين وأكد عمليا عبرها على أن الإسلام قادر على التكيف مع مختلف الظروف والبيئات والأنظمة بما فيها ذلك النظام العلماني الذي تصطبغ به تركيا منذ بدايات القرن العشرين، والذي تصر على عدم التخلي عنه معتبرة إياه جزءا من هويتها.
غير أن إردوغان ومن معه في حزب العدالة والتنمية بعقيدتهم الإسلامية تأقلموا مع فكرة علمنة تركيا، ولم ينسوا انتماءهم الديني الذي يربطهم مع إخوتهم في كل بلاد العالم الإسلامي..
ولعل غضبة إردوغان الشهيرة في منتدى دافوس 2009 وانسحابه وإعلانه عدم العودة إلى دافوس ثانية احتجاجا على كلمة الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز وعلى المجازر التي كانت إسرائيل ترتكبها في غزة تشكل نقطة مضيئة في تاريخه السياسي، وتلك الوقفة زادت من شعبيته على المستويين العربي والإسلامي.. وقبلهما على المستوى الداخلي في تركيا.
وقبل ذلك استشعر رجب طيب إردوغان المسؤولية تجاه أحداث غزة، فقام بجولة شرق أوسطية في عدة دول تباحث خلالها مع القادة عن أوضاع غزة، وأقلق تفاعله مع الأحداث الجارية حينها إسرائيل، فحاولت الضغط عليه لتغيير مواقفه التي كانت تؤثر سياسيا وإعلاميا لكن مساعيها لم تنجح، إذ لم يغير إردوغان مواقفه التي تمثل أيضا السياسة التركية.
وبرغم ذلك لم تتوقف مساعي بلاده من أجل السلام في المنطقة، وتعرقلت الجهود كالعادة بسبب عدم تجاوب إسرائيل. كما تعرقلت للسبب ذاته المفاوضات غير العلنية التي كان يديرها الوسيط التركي في سعيه لمشروع السلام.
إردوغان استفاد من أخطاء تجربة إسلامية سابقة في تركيا قادها نجم الدين أربكان لم يكتب لها النجاح لظروف زمنها الداخلية والسياسية برغم النية الصادقة لدى أصحابها..
ولأن إردوغان ومن معه استوعبوا درس التاريخ فإنهم انتهجوا الخط السليم الذي يقود إلى النهاية المنشودة ولا يصادم الآخرين.. ولأنهم أدركوا أيضا أن الاتحاد الأوروبي صار يضغط أكثر، ابتعدوا عنه قليلا واتجهوا إلى التنمية الداخلية وإلى صناعة شراكات مستقبلية مع دول المنطقة ودول العالم الإسلامي الذي يعرف الجميع أن تركيا لا تستطيع الانسلاخ عنه برغم علمانيتها، ولذلك أعلن إردوغان ذات يوم أن "العدالة والتنمية" لن يخرج عن قواعد النظام الجمهوري ولن يختلف مع القوات المسلحة التركية.
وقال "سنتبع سياسة واضحة ونشطة من أجل الوصول إلى الهدف الذي رسمه أتاتورك لإقامة المجتمع المتحضر والمعاصر في إطار القيم الإسلامية التي يؤمن بها 99% من مواطني تركيا".
برغم كل هذه النشاطات السياسية، فإن لإردوغان نشاط ثقافي واجتماعي خدم فيه الأمة الإسلامية والتواصل الإنساني بما مكنه من استحقاق جائزة الملك فيصل.
من جديد يؤكد القائمون على جائزة الملك فيصل العالمية أنها تذهب دائما لمن يستحقها، ويؤكدون حياديتهم وأنهم ينظرون إلى الجهود المقدمة من قبل الشخص وإلى مجمل إنجازاته قبل أن إعلان فوزه بالجائزة..
ومن يتابع ما قدمه إردوغان خلال العام الماضي يدرك ذلك.
الوطن السعودية