لم تسعفني الظروف بالتعرف الى الزميل، الصحافي والكاتب الإيراني، ما شاء الله شمس الواعظين، رغم أنني أشعر بشراكة تجمعني معه، في الآراء والميول والمواقف، وفي البحث عن الحقيقة والتمسك بالحرية والاستعداد للتضحية من أجلها.
وقد تابعت، كغيري من مراقبي الحدث الإيراني، تعليقات وملاحظات ومداخلات الزميل السجين، وأعجبت دوما بما فيها من موضوعية وحيدة، وما ميزها من سعة اطلاع ومتابعة طالت أدق تفاصيل ما يجري، وتحدثت بلغة واضحة ومقنعة عن خلفياته ومضامينه وممكناته المستقبلية، دون أن تركض وراء التحريض والتهييج، أو تتجاهل الجوامع الوطنية والسياسية المشتركة لشعوب إيران، أو تلك التي تخترق المحافظين والإصلاحيين من رجال الدين الحكم، والشعب والجيش والأمن والحرس الثوري.
كانت تعليقات شمس الواعظين هادئة وموزونة، وكان حريصا دوما على إبراز الوقائع على حساب التخمينات، والرغبة في المصالحة والخروج من الأزمة على النزوع إلى الانتقام من أحد طرفي الأزمة، أو إلى تشويه مواقفه، وكان الألم يعتصر قلبه ويبدو على قسمات وجهه الحزين، كلما تحدث عن مشكلات بلاده، بينما كان صوته يفصح عن شعور عميق بالإحباط بسبب ما آلت إليه الأوضاع، وأدى إلى دفع الأمور في غير السكة التي كان يجب أن تذهب إليها، وإلى وقوع قتلى واعتقالات تذكر بأيام سالفة ومظلمة من تاريخ إيران، تعهد نظام الجمهورية الإسلامية أن لا يسمح بتكرارها، بعد قلب نظام الشاه، لكنه فعل ما هو أسوأ منها ضد معتقلين ينتمون جميعهم إلى أجيال شابة ولدت ونشأت في ظله، وصدقت أن لها الحق في الاحتجاج على ما لا يعجبها من أوضاع وطنها، دون أن تقتل بالرصاص أو تحت التعذيب أو تتهم بالعمالة للسفارات الأجنبية.
والحقيقة أن زميلي الإيراني أدهشني خلال الأشهر الماضية مرتين: مرة حين أعلن أنه سيمتثل لأمر أصدرته السلطات الأمنية يمنعه من الظهور على شاشات التلفاز والتعليق على الأحداث الجارية في بلاده. وقد بقي بالفعل غائبا عن الشاشات طيلة قرابة شهرين. كان قبول الزميل يعني التخلي عن عمله ككاتب وصحافي، وكان دليلا على اعتداله وتفهمه ورغبته في إعطاء فرصة لأولي الأمر، يجدون خلالها حلا مقبولا وسلميا يخرج إيران من الأزمة الناشبة بينهم وبين قطاعات واسعة من شعبهم عامة، وشبابه خاصة. وأدهشني مرة ثانية حين عرفت كيف اعتقل، فقد جاء زوار الفجر وأخذوه من بيته على مرأى ومشهد من زوجته وأولاده، من دون مراعاة أي اعتبار يتصل بوظيفته كإعلامي ومفكر، ومكانته ككاتب معروف عالميا، يعد أحد أكثر متابعي الشأن الإيراني معرفة وعقلانية، وواحدا من كثرة اعتقدت أن من حقها التعبير عن مخاوفها من نتائج المواجهات الجارية في إيران، ومن واجبها الإشارة بصراحة إلى الخطأ ومصادره، أينما كان موقع من اقترفوه ومهما كان دورهم. تعرض الزميل وأسرته لهذه القسوة، رغم أنه نقل دوما بأمانة ما تشهده شوارع المدن وكواليس السياسة، ولم يتخذ موقفا مسبقا ينحاز لطرف من الأطراف، ويحلل الأحداث من وجهة نظره أو لصالحه. ولم يطلق صفات شيطانية على خصومه تحملهم وحدهم المسؤولية عن ما يجري. لا يعني هذا، بالطبع، أن الزميل السجين لم يتخذ مواقف صريحة من العنف الرسمي والقمع الأمني، ولم يتعاطف مع المعتقلين وضحايا القهر، ولم يناصر الحرية كمبدأ وكممارسة، ويحمّل جهات رسمية بعينها وزر ما شهدته شوارع المدن من إرهاب شنيع، طال حتى المارة من رجال ونساء وأطفال، مما رآه العالم كله بالصوت والصورة، واستهجنه كل حر.
ثمة في بلداننا المنكودة رأي يقول : إذا اعتقل أحد ما لا تدافعوا عنه، كي لا يتعرض لمزيد من نقمة أولي الأمر، وحتى لا ينقم عليه هؤلاء بسبب عطف واحترام الناس. نشأ هذا الرأي بعد تجارب بينت أن الحاكم كان يتشدد تجاه المعتقل، بقدر ما كانت تتزايد الأصوات المطالبة بحريته والمتضامنة معه. في بلداننا، التي لا تتوقف سلطاتها عند قهر المعتقل، وإنما تعمل على قهر بيئته السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية، وتصنف من يدعمونه في خانة المتعاطفين معه، وتاليا المعادين لها، الذين يجب أن يصلهم شيء من القهر بدورهم، يقتنع عدد من المراقبين والمهتمين بأن ترك المتهم لحاله هو أفضل حل لمشكلته، وأن الدفاع عن الكتاب والمفكرين يعمق الحفرة التي يلقيهم النظام فيها، فيصير إخراجهم منها أكثر صعوبة. هذا الرأي، الوجيه والمنطقي ظاهريا، ليس صحيحا أو صائبا، فالسلطة تبني موقفها على وجوب أن ينسى المواطنون ضحاياها، وتعتبر نسيانهم تأييدا مضمرا وصامتا لها، وتفويضا يمكنها من فعل أي شيء تريده ضدهم، بما في ذلك إنزال اشد العقوبات بهم، بينما يتسبب التضامن مع المعتقلين في جعلها تدفع ثمنا قد يكون مرتفعا لسلوكها القمعي، ويذكرها بضحاياها ويجعل منهم مشكلة يصعب تجاوزها وتتطلب حلا. من هذا المنطلق، أجدني أتضامن وأتعاطف مع الزميل الإيراني، الذي تعرض لظلم لا مسوغ له، ولمحنة تتطلب منا شد أزره وأزر أي معتقل مظلوم، في أي مكان وتحت أية شمس. وإني لأطالب المثقفين العرب بالتضامن معه بلا قيود، وبإثارة قضيته محليا ودوليا، وباعتباره سجين رأي ينتقص وجوده في المعتقل حريتهم وينتهك كرامتهم.
السيد المحترم محمود أحمدي نجاد، رئيس جمهورية إيران الإسلامية: قال سيد المظلومين ورجال الحق الإمام علي كرم الله وجهه : "احصد الشر في صدر غيرك، بقلعه من صدرك ". وقال : "ظلم الضعيف أفحش الظلم". وقال: "يوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم ". وقال: "من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ". وقال: "إن من استثقل الحق أن يقال له، أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق، أو مشورة بعدل". وقال: "لا تظنن في كلمة خرجت من أحد سوءا، وأنت تجد لها خيرا محتملا"، وقال كرم الله وجهه : "شر الناس عند الله إمام جائر ضل وضل به، وأمات سنة مأخوذة، وأحيا بدعة متروكة". السيد الرئيس: أنت وحكومتك تحيون بدعة القمع الشاهنشانية، التي تعهدتم أن تبقى متروكة، وتخالفون شرعة الإمام وتستثقلون الحق والعدل، وتسجنون رجلا ذنبه الوحيد أنه تمسك بهما ودافع عنهما اسمه ما شاء الله شمس الواعظين!.
"المستقبل"