عمّان- “القدس العربي”:
مسافة لا يستهان بها قطعها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عندما وقف بعد ظهر الإثنين على منصة مستضيفه ونظيره التركي في أنقرة قائلا: “وتيرة التعاون ستزيد بين بلدينا في مواجهة تحديات المنطقة هذه الفترة”.
تبدو تلك عبارة مغرقة في الصراحة، وتعكس بصورة مفصلية ما تم الاتفاق عليه في العاصمة التركية مع المسؤول الأبرز والأهم عن الملف في سوريا، والمقصود الوزير هاكان فيدان.
بعد دقائق من عقد اجتماع رفيع المستوى في مقر الخارجية التركية، صعد الوزير الأردني لكي يزف النبأ السار للرأي العام المحلي على الأقل، بعنوان اتفاق على ما أسماه زيادة وتيرة التعاون خلال هذه الفترة، الأمر الذي يعني ضمنا بأن وتيرة التعاون في الماضي القريب لم تكن في المستوى الذي ينبغي أن تكون فيه.
والأهم أن الأردن هنا يتجه لتفاهمات مرحلية مع المؤسسة التركية بعناوين إستراتيجية على الأرجح هذه المرة، وحصرا بعد المتغير السوري.
لأسباب ليست مفهومة بعد، قرر الوزير التركي هاكان فيدان إضافة لمسته الدبلوماسية الخاصة على المباحثات مع الجار الأردني، مشيرا إلى أن بلاده لجأت للتنسيق مع الأردن منذ اليوم الأول لسقوط نظام الرئيس بشار الأسد.
هنا حصرا يمكن ملاحظة أن الوزير الأردني أطلق عبارة عمومية عن التحديات في المنطقة.
بالتالي لا يريد عكس الانطباع بأن زيارته الجديدة لأنقرة مرتبطة بالملف السوري. فيما رد الوزير فيدان بعبارة فيها قدر من التذاكي يكشف فيها بصورة غير مباشرة عن مضمون الزيارة واللقاء أصلا، مع الإصرار على ذكر اسم الرئيس السوري المخلوع وسقوط نظامه.
يعلم الطرفان مسبقا بأن الأردن لم يكن على الطاولة عندما قرر الحلفاء لحظة الصفر في إسقاط النظام السوري.
ويعلم الطرفان أيضا بأن علاقات عمّان بنظام دمشق المخلوع كانت تنمو في اللحظات الأخيرة قبل التحول الذي حصل برعاية تركية.
لكن هذا التناقض البسيط في الرواية ليس هو المهم، بقدر الأولويات التي عبّر عنها الوزيران بعبارات انتقائية. حيث تقول عمّان بوضوح إنها راغبة في زيادة وتيرة التعاون في هذه المرحلة.
وأنقرة غمزت سياسيا بأنها نسقت في معلومة لا تبدو دقيقة مع الأردن من اللحظة الأولى، وما يحصل في سوريا أولوية تركية مطلقة.
ثمة جانب في إطلالة الصفدي برفقة هاكان بحد ذاته من المستجدات المثيرة.
الصورة التي نشرتها وسائل الإعلام التركية في مقر الوزير التركي شملت حضورا لرئيس هيئة الأركان الأردني الجنرال يوسف الحنيطي، فيما الوفد الذي توجه إلى أنقرة رفيع المستوى وغير مسبوق، وضم أيضا مدير المخابرات العامة الأردني الجنرال أحمد حسني.
ذلك لا يعني إلا أن عمّان توجهت إلى العاصمة التركية برموزها السيادية الدبلوماسية والعسكرية والأمنية. ذلك مستجد في غاية الأهمية قد يعبّر عن السعي إلى توافقات ما تيسّر إلى ذلك سبيلا في الملف السوري. فيما الخبر الرسمي عن جولة المباحثات أشار إلى أن زوار أنقرة الأردنيين تباحثوا مع الوزير فيدان وطاقمه، وأيضا مع مدير مؤسسة الاستخبارات التركية الدكتور إبراهيم قالن، خلافا لمسؤولين بارزين في المنظومة العسكرية التركية .
المحصلة واضحة حتى لوسائل الإعلام التي لم تتوفر لها معطيات معلوماتية عن طبيعة النقاش والمحتوى، لكن الأهم في جزئية الوضوح أن عمّان ترسل وفدا سياديا للتباحث والاستكشاف، وأنقرة تستقبله بالمستوى السيادي، وأن الطرفين معا يتحدثان في التعبير الدبلوماسي عن رغبة أكبر في التعاون بعد الآن، بمعنى تجاهل أو تجاوز نقاط ومناطق الخلاف.
الخلاصة سياسيا طبعا لا يمكن إنكارها، والسؤال بنسخته الأردنية يصبح كالتالي: “هل تقرر سياديا في المملكة مصافحة الهلال السني التركي الجديد في المنطقة؟”.
- القدس العربي