لا يحتاج المرء إلى التنبؤ بأكثر المواضيع خطورة وحساسية للتباحث خلال لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو المرتقب يوم غد الثلاثاء، فكلا الشخصين سيعملان على وضع غزة على «طاولة التشريح» في «البيت الأبيض».
المتوقع طبعا من بنيامين نتنياهو أن يعمل على ضمان موافقة ترامب على تفاصيل التفاوض مع «حماس» حول المرحلة الثانية من الهدنة، ولا يتوقع أن يكون هناك خلاف بين الاثنين حول إطلاق سراح الإسرائيليين الذكور المتبقين في غزة، بمن في ذلك المدنيون والجنود، مقابل إطلاق إسرائيل سراح عدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين. المشكلة بالنسبة لنتنياهو، هو الاتفاق على «الهدوء المستدام» وانسحاب الجنود الإسرائيليين المتبقين في قطاع غزة، مما يؤهّل الطرفين، للوصول إلى المرحلة الثالثة، التي تتضمن إنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة وإجراءات «اليوم التالي» التي تتضمن «عدم قيام حماس بإعادة بناء قدراتها العسكرية» وهي جملة مفتوحة على احتمالات عديدة، منها، كما تريد «الجامعة العربية» ونسبة معتبرة من الفلسطينيين، عودة السلطة الفلسطينية، وذلك ضمن احتمالات أخرى، عودتها مع «قوات عربية»… وانتهاء بإعادة أحلام الغلاة في الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية: إخراج الغزيين، واستكمال الاستيطان.
يشير اختيار ترامب عقد اجتماع «قمة» مع رئيس وزراء إسرائيل شخصيا، إلى أنه لا يريد ترك القضايا الكبيرة لمبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وللمفاوضين الإسرائيليين الأقل شأنا من نتنياهو.
يعبّر اللقاء في «البيت الأبيض» طبعا، عن أهمية إسرائيل في السياسة الأمريكية، داخليا وخارجيا، ويؤمن لنتنياهو حاجته من الغطرسة، التي عبّر عنها بإعلان مكتبه أنه أول زعيم أجنبي يلتقي بترامب بعد تنصيبه رئيسا، لكنّ، اللقاء، من جهة أخرى، يؤمّن لترامب وضعية أكثر مناسبة للتعاطي مع مسودة الاتفاق لمناقشة القضايا المستعصية آنفة الذكر في هدنة غزة.
يفترض هذا السيناريو طبعا أن ترامب أدرك أن اقتراحه الكارثي بـ«نقل أهل غزة» إلى الأردن ومصر، هو اقتراح لا يمكن صرفه على أرض الواقع، ولا فرضه على القاهرة وعمّان، إلا إن كان ما يريده فعلا لا إنهاء الحروب في العالم، كما وعد الأمريكيين في برنامجه الانتخابي، وأعاد قوله والشغل عليه بعد استلامه منصبه، وهو ما نراه يعمل عليه فيما يخص الحرب الروسية ـ الأوكرانية، بل توفير الأسباب لانفجارات أكبر في الشرق الأوسط.
فتح الاقتراح، مع ذلك، بابا لنتنياهو، وشركائه في الإبادة الجماعية وخطط التطهير العرقي للفلسطينيين، ليس في غزة فحسب، بل في الضفة الغربية أيضا، للتلاعب بترامب، بدعوى «ضمان تنفيذ خطته» كما قال بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، وأحد أركان الإرهاب الاستيطاني ضد الفلسطينيين.
تقع غزة إذن بين سيناريوهين، يمكن للأول أن يقود لتهدئة مستدامة في غزة، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، وهو سيناريو يمكن أيضا أن يخفف الحرب الدائرة والمتنقلة إجراما واستيطانا وإرهابا ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، ويضع آفاقا لتسوية ممكنة للقضية الفلسطينية ضمن حل الدولتين وفي إطار الخطط الأمريكية الاستراتيجية في الشرق الأوسط، والتي تتضمن العمل على توسيع التطبيع العربي مع إسرائيل، والتعامل مع المشروع النووي الإيراني.
والسيناريو الآخر، هو أن يتوصل نتنياهو إلى وقف مسار اتفاق وقف إطلاق النار، ومعاودة «خطة الجنرالات» للإبادة والتجويع والقتل في غزة، وهو ما سيقود بالتالي إلى فتح نيران جهنم على الفلسطينيين، والمنطقة، وانقلاب خطط إنهاء الحروب التي بشر بها ترامب إلى خطط إسرائيل في «الحل النهائي» للفلسطينيين، وقيادة حرب مباشرة ضد إيران، مما ستكون له تداعيات كبرى على العالم والإنسانية جمعاء.
- القدس العربي