مثّل رفع الولايات المتحدة لجزء كبير من العقوبات المفروضة على سوريا دفعة إيجابية قوية للسوريين وعزز الأمل لديهم بأن تُدشّن الخطوة الأميركية عهد إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي.
والحقيقة أن قيمة هذه الخطوة لا تقتصر على أبعادها الاقتصادية، بل أعطت زخمًا كبيرًا للاعتراف الدولي بحكم الرئيس أحمد الشرع، وقد تؤسس لتحول تاريخي محتمل في العلاقات الأميركية السورية. مع ذلك، لا ينبغي تجاهل أن سوريا تحتاج إلى ما هو أبعد بكثير من هذا المستوى من التفاعل الدولي معها، في خضم المبادرات الأميركية والأوروبية بخصوص العقوبات. من منظور الواقعية السياسية، يبدو الانفتاح الأميركي نتيجة كبيرة وغير متوقعة مقارنة بالفترة الزمنية التي استغرقها والظروف المُعقدة التي تُشكل طبيعة علاقة الحكم الجديد بالمجتمع الدولي.
لكن، حتى مع الأخذ بعين الاعتبار الدوافع المُعلنة لإدارة ترامب في خطوة رفع العقوبات، والمتمثلة بدعم استقرار السلطة الحالية ومساعدتها على التعامل مع التحدّيات الكبيرة التي تواجهها، فإن التحرك الأميركي لا يبدو كافيًا لتحقيق هذه الأهداف.
فمن جهة، تزيد فترة ستة أشهر المُخصصة لرفع العقوبات من حالة عدم اليقين بشأن مستقبل السياسة الأميركية في سوريا على المدى الطويل. من المتصور الآن أن يعمل الرفع المؤقت للعقوبات كعامل مُحفز للدول الراغبة بدعم سوريا على المُضي قدمًا في هذا الاتجاه، لكن التمويل المؤقت لن يكون كافيًا. كما أن الاستثمارات الأجنبية الطويلة الأجل التي تحتاجها عملية إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي تتطلب رفعًا كاملًا ونهائيًا للعقوبات كي يقتنع المستثمرون بأن سوريا أصبحت وجهة مُغرية للاستثمار والانخراط الاقتصادي. والواقع أن كل يوم يتأخر فيه إيجاد هذه البيئة يزيد من الضغوط الاقتصادية على سوريا بدلاً من الحد منها.
إن الرسائل التي تُرسلها الولايات المتحدة بخصوص رغبتها في استقرار السلطة الانتقالية وتحفيز الاستثمارات الأجنبية في سوريا مُهمة ولا يُمكن التقليل من تأثيرها الإيجابي.
علاوة على ذلك، لا تزال السياسة الأميركية في سوريا في الوقت الراهن غير واضحة الأهداف تمامًا. مع أن إدارة ترامب تُبدي نظرة واقعية للملف السوري من حيث تركيزها على أهمية استقرار السلطة الانتقالية كضرورة لمنع انزلاق سوريا إلى حرب أهلية، إلا أن هناك تصورًا عامًا لدى السوريين والعالم بأن التكاليف التي تنتظرها أميركا من الرئيس أحمد الشرع قد تكون ثقيلة على سوريا، خصوصًا فيما يتعلق بملف العلاقة مع إسرائيل. ويبدو أن التوجه الأميركي الجديد نجح جزئيًا في تقليص الضغط الذي تُمارسه إسرائيل على سوريا منذ التحول وحتى الآن، إلا أن هناك اعتقادًا بأن الرفع الشامل والنهائي للعقوبات مرهون أيضًا بانضمام سوريا إلى اتفاقيات السلام مع إسرائيل. وبهذا المعنى، فإن الانفتاح الأميركي على الرئيس أحمد الشرع، وإن بدا في جانب فرصة كبيرة لسوريا، فإنه مصمم أيضًا لتعظيم التأثير الأميركي على دمشق وخياراتها في التعامل مع قضايا مُعقدة مثل العلاقة مع إسرائيل وقوات سوريا الديمقراطية.
إن الرسائل التي تُرسلها الولايات المتحدة بخصوص رغبتها في استقرار السلطة الانتقالية وتحفيز الاستثمارات الأجنبية في سوريا مُهمة ولا يُمكن التقليل من تأثيرها الإيجابي، لكنها ليست كافية وحدها إذا ما قورنت بخطوات أخرى لتحقيق هذه الأهداف. وسيتعين على واشنطن التأكيد على أن فترة ستة أشهر المُخصصة لرفع العقوبات تندرج في إطار استراتيجية تدريجية تفرضها ظروف المرحلة الحالية، وليست مصممة للضغط على دمشق لإجبارها على خيارات ذات تكاليف مرتفعة عليها. كما سيتعين عليها ممارسة مزيد من الضغط على إسرائيل لإجبارها على تغيير جذري لنهجها في سوريا، وليس فقط تجميد نشاطها العسكري. أظهر الرئيس أحمد الشرع استعدادًا لمعالجة التحدي الإسرائيلي بنهج دبلوماسي، ويجب أن يُقابل هذا الاستعداد بتشجيع هذا النهج والضغط على إسرائيل لوقف تحركاتها العدوانية في سوريا، بما في ذلك التوغلات اليومية في المناطق الحدودية والتوقف عن التدخل في شؤون سوريا الداخلية مثل قضية الدروز.
وفي ملف قوات سوريا الديمقراطية، فإن الانخراط الأميركي كان له دور رئيسي في التوصل إلى اتفاقية بين الرئيس أحمد الشرع والجنرال مظلوم عبدي لدمج قسد في الدولة السورية الجديدة.
النهج الذي اتخذه الرئيس ترامب ساعد إلى حد كبير في تهدئة التوترات بين تركيا وإسرائيل في سوريا
مع ذلك، لا تزال هذه العملية تمضي بوتيرة بطيئة. كما أن المطالب التي تطرحها قسد بخصوص تصوراتها لدور الأكراد في النظام السياسي الجديد لا تسهم في تهيئة بيئة مناسبة لإتمام اتفاقية الاندماج. بالنظر إلى التأثير الأميركي على قسد، فإنه سيتعين أيضًا على إدارة الرئيس ترامب إبلاغ المسؤولين الأكراد بوضوح بأن اتفاقية الاندماج وُضعت لتُنفذ، وبأن أي طرح للنظام السياسي يجب أن يحظى بموافقة الشعب السوري، وبأن مهام السلطة الانتقالية تتركز على توحيد البلاد وتشكيل جيش وطني واحتكار السلاح بيدها. إن إتمام اتفاقية دمج قسد بنجاح من شأنه أن يُعظم من قدرة استقرار سوريا في هذه المرحلة، ويُرسل رسائل قوية للأطراف المحلية والخارجية التي تسعى لعرقلة السلطة الانتقالية بأن الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة هو الحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها.
من المؤكد أن النهج الذي اتخذه الرئيس ترامب ساعد إلى حد كبير في تهدئة التوترات بين تركيا وإسرائيل في سوريا. وقد شرع البلدان بالفعل في محادثات للتوصل إلى ترتيب للحد من التصعيد. مع ذلك، يمكن لواشنطن أن تتقدم أكثر في هذا المسار من خلال إبلاغ المسؤولين الإسرائيليين بوضوح بأن دور تركيا في سوريا محوري لضمان استقرارها، وبأن هذا الاستقرار هو السبيل الوحيد الذي يُعالج الهواجس الإسرائيلية المزعومة. بقدر ما أن استقرار السلطة الانتقالية يُشكل مصلحة للولايات المتحدة، فإن سوريا الجديدة تجلب فرصًا كبيرة لواشنطن في الشرق الأوسط. وهذه الفرص تستحق أن يكون النهج الأميركي في سوريا أكثر فعالية وقدرة على التأثير.
- تلفزيون سوريا