التفكير خارج الصندوق دعوة إلى كسر القيود، والتفكير بطرق غير مألوفة لاجتراح الحلول أو المغامرة وتقديم رؤى مختلفة، مغايرة عما هو مألوف.
لعل التفكير خارج الصندوق أفضل محاولة عالمية لفهم الوضع الذي تمرّ به سوريا سياسياً، ذلك أن القيادة السياسية في سوريا حيرت التنميط الغربي: لا هي سلفية لتضعها في صندوق التعامل مع السلفية ولا الغرب قادر بغض النظر عن خلفيتها الجهادية خاصة بعد تصريحات الرئيس الشرع أنه ليس سلفياً وكذلك ليس امتداداً للحركات الجهادية وليس إخوانياً، وليس امتداداً للربيع العربي، ربما يحلو للمحلل القول: أن السلطة الحالية خلطة غير مألوفة بعالم التصنيفات الغربية!
ليس الغربيون هم وحدهم احتاروا في تصنيف السلطة الجديدة في سوريا: السوريون أنفسهم كذلك محتارون لذلك تجد كثيراً منهم يلقي التهم يمنة ويسرة، وقسم منهم يتأنى في القراءة، وقسم منهم ينتظر كل خطوة بخطوة!
السلطة ذاتها تفكر خارج الصندوق لتتفهم ما الذي تريده؟ وكيف تدار البلاد وما المتطلبات المحلية والعالمية لكيفية إدارة البلاد، ولعل تفكيرها خارج الصندوق هو الذي دفعها للاعتذار عن عدد من الأخطاء، وهو الذي أدى إلى رعة قبولها عالمياً!
يمكنك أن تبحث عن ألف سبب وسبب، ويمكنك أن تجرِّب كل أنواع القراءات: الإسقاطية والتفسيرية والمسبقة.. لكن لا يمكنك أن تنسى أن التفكير خارج الصندوق لدى السلطة هو الذي جعل الكثير من الممكنات واقعاً وحقيقة!
ليس التفكير خارج الصندوق هو الخيار الوحيد المتاح أمام الناس لتكمل حياتها، بل هو الخيار الأفضل في مراحل الأزمات لأن التفكير داخل الصندوق قد لا يقود إلى النتائج المرجوة، لكن ذلك لا يعني أن يكون التفكير خارج الصندوق هو الذي يمكن أن يبني الدولة!
في مسار حياتك اليومية، ثمة ما تقره القوانين، التي تحرك عجلة البلدان، لا يطلب منك أن تفكر خارج الصندوق أو داخله، بل أن تتبع القوانين فحسب، لأن التفكير خارج الصندوق لا يعني الخروج على القوانين بقدر ما يعني اجتراح حلول لمشاكل طارئة أو تفكير إبداعي أما حدث كبير!
استعملت العبارة مرات كثيرة للهروب من الالتزام، أو محاولة الابتعاد عن الواجبات، وهذا ليس المراد منها، بل إن المراد منها البحث والتحري والـتأني والالتفات إلى كل الجهات والاحتمالات غير المألوفة!
يحتاج الوضع الإداري في سوريا اليوم إلى سن قوانين خارج الصناديق السابقة لأن المشاكل التي تمر بها البلاد مشاكل غير مألوفة، فالسوريون بين الداخل والخارج ضاعت الكثير من تفاصيلهم، إلا أن ذلك لا يعني الفساد أو الهروب من المعيرة والحوكمة أو التهاون في شروط الجودة.
يدعو كثيرون اليوم إلى التفكير خارج الصندوق لتسويغ ارتباكاتهم أو أخطائهم وهو “كلام حق أريد به باطل” لأن التفكير خارج الصندوق إبداع وليس التفافاً، وهو تميز وليس تهرباً، وهو استيعاب للتجارب السابقة ومحاولة التفوق عليها وليس جهلاً!
حاجة سوريا الجديدة إلى التفكير خارج الصندوق ليست ترفاً يمارسه الإداري أو السياسي أو المواطن، بل استراتيجية ضرورية كي تمشي البلاد إلى الأمام، وهاهنا يتضح اختلاف سياسي عن آخر، أو إداري عن آخر، إنها نوع من المرونة وتفهم ظروف المواطنين، وفي الوقت نفسه لا تعني مطلقاً الخروج على المعايير التي تضمن نجاح البلاد واستمرارها لأن مثل هذا الخروج سيدمرها.
لعلنا نستعين بأحد الأمثلة التي مررت فيها حين كنت مع أحد الأصدقاء في ساحة الأمويين ويريد أن يعبر الساحة من جهة إلى جهة أخرى حيث كان يأخذ أقصى اليمين وأقصى اليسار وبين السيارات من مختلف الجهات، وفعلاً كان الحل بالنسبة إليه خارج صندوق قواعد المرور المألوفة، وحقق هدفه بسرعة وعبر الساحة إلى الجهة التي يريدها، غير أنه عطَّل حركة السير؛ فشكَّل الحل خارج الصندوق الذي نفع مصلحة شخصية تضارباً مع المصلحة العامة! وبالتالي التفكير خارج الصندوق ها هنا تفكير أناني مصلحي تسويغي للخروج على القانون وتحقيق حل أناني من نوع ما!
في الوقت نفسه قامت وزارة التربية مثلاً بالتفكير خارج الصندوق الإداري؛ فسمحت للطلاب القادمين من خارج القطر بالالتحاق بالمدارس ريثما يستكملون أوراقهم والتصديقات الضرورية، على مسؤوليتهم الشخصية.. وهو تفكير يمكن تسميته: تطبيق روح القانون، وفيه إشارة إلى الثقة بالمواطن وتحقيق مصلحة عامة عبر مرونة إدارية ملفتة، وهي تقتضي عدم استغلال لهذا الحل الإداري.
يطالب اليوم عديدون أن تكون وزارة التعليم العالي أكثر مرونة في أمر تعديل الشهادات، خاصة الطبية منها، لكن الوزارة ترفض التفكير خارج الصندوق، وهو رفض محمود لأن التساهل في الأمن الوطني العلمي يضر بسوريا والسوريين، هذا لا يعني عدم التخفيف من الورقيات غير الضرورية، لكن التساهل في الجوانب الطبية وعدم التأكد من الجودة والشهادات والقدرات ستكون له مضار كثيرة على البلد ومواطنيه وصحتهم ومستقبلهم!
المؤكد أن التفكير خارج الصندوق في سوريا الجديدة يقتضي البحث عن حلول لحركة النقل مثلاً بين المحافظات، وكذلك تأمين الأمان المواطنين، والبحث عن زيادة دخل الفرد ، والسرعة في تأمين البنية التحتية لحياة كريمة ومشاركة المجتمع المحلي في بناء البلد!
الخط واضح وشاسع بين تفكير خارج الصندوق يجترح حلولاً ويستهدف تحقيق مصلحة عامة، وتفكير خارج الصندوق يقتضي تهرباً أو استسهالاً أو خروجاً على شروط الجودة أو تهرباً من تنفيذ القانون!
- تلفزيون سوريا




















