ملخص
منذ الثامن من ديسمبر 2024، حين تمكن ثوار عملية “ردع العدوان” من الوصول إلى دمشق ودخولها، سارعت الشريحة الأوسع من مؤيدي الرئيس السابق ونظام البعث الحاكم باللجوء إلى حذف الصور والمنشورات المؤيدة للأسد، بينما انتقل آخرون سريعاً إلى سياراتهم ليمزقوا الصور الكبيرة التي تحمل رموز النظام والدولة بعدما ظلت معلقة على زجاج مركباتهم خلال سنوات الحرب، فضلاً عن امتلاء حاويات القمامة بالملابس العسكرية الخاصة بالجيش بعد خلعها، ومعها أعلام وتماثيل رموز النظام السابق.
لا يبدو رفع أحد مشاركي احتفالات الذكرى الأولى لتحرير سوريا إطاراً لمدفأة معدنية يطلق عليها (الكوع) مشهداً غريباً، بل هو استمرار لرسالة ساخرة تذكر السوريين بمن انتقل سريعاً بمواقفه السياسية من ضفة إلى أخرى بعد سقوط الأسد، وهو من يسميهم الجمهور بـ”المكوع”.
خلال عام انصرم لم تتوقف المقاطع المصورة التي تستهزئ بهذا الصنف من الشعب الذي شهد انتهاء حقبة حكم الأسدين الأب والابن، في حين يبدي فريق آخر غضباً من سرعة التلون والتبدل في المواقف لدى هؤلاء.
ومنذ الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، حين تمكن ثوار عملية “ردع العدوان” من الوصول إلى دمشق ودخولها، سارعت الشريحة الأوسع من مؤيدي الرئيس السابق ونظام البعث الحاكم باللجوء إلى حذف الصور والمنشورات المؤيدة للأسد، بينما انتقل آخرون سريعاً إلى سياراتهم ليمزقوا الصور الكبيرة التي تحمل رموز النظام والدولة بعدما ظلت معلقة على زجاج مركباتهم خلال سنوات الحرب، فضلاً عن امتلاء حاويات القمامة بالملابس العسكرية الخاصة بالجيش بعد خلعها، ومعها أعلام وتماثيل رموز النظام السابق.
تبدل النجوم
في الأثناء لم يقتصر مصطلح “التكويع” على التداول بين عامة الشعب، بل راج بين عدد واسع مع الفنانين والإعلاميين وشخصيات اجتماعية بارزة ظلت حتى اليوم الأخير تدافع عن الأسد وجرائمه ولكن سرعان ما غيرت مواقفها، وخرجت بلقاءات صحافية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي تروي مواقف مؤيدة للثورة، وهناك شخصيات لمحت إلى أنها كانت “مجبرة” على تأييد النظام البائد، ونجوم قدموا اعتذارهم للشعب عن مواقف سابقة.
“أنا مع مصطلح (التكويع)، فخلال وجودي في سوريا لم أستطع أن أتكلم وأواجه النظام”. هذا ما قالته المخرجة رشا شربتجي في لقاء صحافي، مضيفة “تمت دعوتي إلى القصر الرئاسي، وطلبت مني لونا الشبل أن أقدم أعمالاً تلمع صورة النظام، قالت وقتها (اعملوا لنا أعمالاً للدولة وامدحونا فيها مثلما تعملون أعمالاً للخونة)، ولم أستطع رفض الدعوة لأن لذلك عواقب وخيمة”.
وكانت شربتجي تلقت تهديدات بعد إنتاج مسلسل “كسر عظم”، ومنعت من السفر إلا بموافقة من فرع فلسطين التابع لشعبة الاستخبارات العسكرية، وأجبرت على حذف خط درامي كامل من مسلسل “أولاد بديعة” بعد اتهامها بالإساءة للجيش.
وسرعان ما تناولت الدراما السورية لوحات كوميدية عن المكوعين كنوع من سخرية لا تزال تترد بين الأوساط الشعبية، ونشر ناشطون صوراً لنجوم الدراما والفن والإعلام وهم برفقة الرئيس السابق في جلسات مغلقة، أو وهو يقلدهم الأوسمة ويكرمهم.
ولم يتوقف الأمر عند الفنانين والإعلاميين بل وصل حتى إلى نجوم الرياضية، ففي يوم التحرير لم تتوقف المنشورات من قبل الفرق الرياضية وأشهر لاعبي المنتخب السوري في كرة القدم عن دعم الثورة، واستذكروا حينها لاعب كرة القدم الذي تحول إلى منشد الثورة عبدالباسط الساروت (كان قبل اندلاع الحراك الشعبي في 2011 حارس مرمى منتخب الشباب)، ونشروا صوراً له، وعدد من أعضاء المنتخب أكدوا أنهم كانوا يخضعون لضغوط الأسد.
المحبكجي والمطبل
ظاهرة “التكويع”، إن صح وصفها بالظاهرة الطارئة على المجتمع، يصفها أحد ناشطي الثورة هو عماد عربو بأنها “تصرف سلوكي لدى الناس قد يدفعهم إليه الخوف على حياتهم أو عائلاتهم، أو الخوف من المجهول، لكن ردود الثوار الذين دخلوا المدن والقرى التي كانت واقعة سابقاً تحت سيطرة النظام البائد فاجأت العالم بتسامحها”.
ويضيف، “بلا شك هناك نسبة من السوريين كانوا يخشون على حياتهم من الوقوف في وجه ممارسات الأسد الاستبدادية لأن مصيرهم سيكون الاعتقال، لذا ظلوا في حال صمت ولم يعبروا عن أية موقف خلال عقد من الزمن سوى بالدعاء بالفرج لهذه البلاد. في المقابل هناك من وقف مع النظام بالسلاح والموقف السياسي، وهذا لا بد من محاسبته في حال كان متورطاً بجريمة”.
في غضون ذلك، يستذكر نشطاء في الثورة من كانوا يوصفون بـ”المحبكجية”، نسبة إلى أغنية “منحبك يا بشار” التي كان يرددها المؤيدون له في المسيرات الموجهة أمنياً ومن قبل حزب البعث الحاكم في ذلك الوقت. وهناك صفة للمؤيدين الأكثر شراسة كـ”الشبيحة” الذين كانوا يعملون تحت جناح الجيش والأمن والاستخبارات، ويتعاطون بقسوة مفرطة مع الفريق المعارض لنظام الأسد، واليوم هذه الصفات وغيرها باتت من الماضي ليسود “التكويع”.
يفسر الفنان الكوميدي والمخرج المسرحي مصطفى الأغا، السخرية السائدة من “المكوعين الجدد” بأنه “أسلوب انتقامي ساخر، فليس أمام أبناء الثورة إلا نعت المؤيدين للأسد ورموزه الذين عادوا ورفعوا علم الثورة بالتكويع، وهو انتقام لفظي هين أمام الانتقام الجسدي الذي كان النظام البائد يمارسه ضد الناس بالضرب والقتل والموت تحت التعذيب”.
ويصف الأغا، لـ”اندبندنت عربية” ما حدث وقت التحرير بأن “عناصر الثورة من رجالها وشبابها فاجأوا العالم بالرقي الذي أظهروه بعد النصر وإسقاط نظام قمعي عمره أكثر من 54 سنة بثورة بيضاء، وما أبدوه من تسامح وسعة صدر وعدم النزوع نحو عمليات انتقامية جماعية أو مجازر بعد الانتصار”.
ويردف “إذا أخذنا بالاعتبار أن النظام السابق ديكتاتوري وقمعي بامتياز، فإن غالب الناس إما مؤيد و(مطبل)، أو صامت لا يستطيع الحديث داخل مناطق النظام لأنه سيقدم نفسه مجاناً لآلة القتل لدى النظام السابق”.
ويضيف، “من الطبيعي أن نصمت لأننا سندخل السجن في حال عارضنا النظام البائد. يلوموننا أننا بقينا في مناطق النظام وسكتنا. لماذا هذا التجني؟ هل كان على جميع أبناء الشعب السوري أن يعارض ويقصف ويهاجر من بيوته إلى الشمال، ليس عادلاً هذا الوصف الذي يطلق، ولا بد أن نسعى لأن نكون شعباً واحداً، وأن يتوقف خطاب الكراهية والسخرية”.
في كل الأحوال يعد المخرج المسرحي، أن “الشعب الذي ظل طوال تلك الفترة تحت الضغط والحرب والقصف وجد صعوبة في تقبل هذا الأمر. فالثوار الذين شهدوا التنكيل بهم، وقبل ساعات من انطلاق عملية (ردع العدوان) كانت تتساقط عليهم براميل الموت، بعد انتصارهم حين دخلوا إلى المدن السورية لم يقتلوا أو ينكلوا بالناس، ولم يلحقوا الأذية بأي أحد من المؤيدين أو رموز النظام السابق، أو حتى الأقليات”.
- إندبندنت



























