دمشق – «القدس العربي»: صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي بتأييد مشروع قانون موازنة الدفاع المتضمن إلغاء «قانون قيصر» تمهيدا لإحالته للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي من المتوقع أن يوقع عليه خلال أيام.
وأفادت وكالة الأنباء السورية «سانا» بأن «مجلس الشيوخ الأمريكي صوت لصالح المشروع النهائي لقانون موازنة وزارة الدفاع لعام 2026 المتضمن مادة لإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر».
وأضافت أن المجلس أحال القانون إلى ترامب «للتوقيع عليه ليصبح نافذا»، دون مزيد من التفاصيل على الفور.
وحسب رئيس المجلس السوري الأمريكي، محمد غانم: «بعد إجازته في مجلس الشيوخ وإجازته الأسبوع الماضي في مجلس النوّاب، يكون قد تمّ إلغاء الكونغرس لقانون قيصر الذي سنّه المشرّعون الأمريكيون في مثل هذه الأيّام عام 2019. ويتّجهُ التشريعُ الآن لمكتب الرئيس الأمريكي ليمهَرَهُ بإمضائه الرئاسي بعد بضعة أيّام مؤذناً بانتصار السوريين، وانتهاء هذه الحقبة الصعبة، وتخلّص سوريا بفضل الله من جميع أشكال العقوبات التي كانت مفروضة عليها لقرابة نصف قرن».
ومن المتوقع أن يوقّع ترامب على مشروع إلغاء «قانون قيصر» الأسبوع المقبل قبل عطلة عيد الميلاد، وفق الإخبارية السورية.
وعلق السيناتور جو ويلسون بالقول: «ممتنون لموافقة مجلس الشيوخ على إلغاء عقوبات قيصر بالكامل ومن المتوقع أن يوقع عليه الرئيس ترامب خلال أيام».
وكان ويلسون وعضو الكونغرس جين شاهين أكدا أن رفع العقوبات يمثل بارقة أمل لمستقبل أفضل لسوريا، ويمهّد لمسار جديد من إعادة البناء.
وفي رسالة نشرتها مجلة «فورين بوليسي» قبيل التصويت أوضحا أن الشعب السوري حقق قبل عام ما كان يبدو مستحيلاً: فبعد أربعة عشر عاماً من الحرب وخمسة عقود من الديكتاتورية، تخلّص من نظام بشار الأسد ودخل مرحلة جديدة.
وأشارا في الرسالة التي ترجمتها وكالة «سانا» إلى أن إرث النظام كان كارثياً، إذ خلّف أكثر من نصف مليون قتيل، و13 مليون نازح، ونظام سجون قائما على التعذيب والاختفاء القسري، إضافة إلى اقتصاد منهار دفع أكثر من 90% من السكان إلى هوة الفقر.
وقالا: «خلال زيارتنا إلى دمشق في آب/ أغسطس الماضي، لمسنا حجم الدمار الذي خلّفته الحرب، لكننا رأينا أيضاً أملاً حقيقياً خلال لقائنا بالرئيس أحمد الشرع وحكومته وقادة من مختلف الطوائف، السوريون ينظرون إلى هذه اللحظة كفرصة تاريخية لا تتكرر إلا مرة واحدة في الجيل لإعادة بناء وطنهم وصياغة مستقبل أفضل لمنطقتهم».
وأكدا أن هذه الفرصة باتت مهددة بالعقوبات الأمريكية التي فُرضت أصلاً للضغط على النظام لوقف قمعه، لكنها اليوم تُثقل كاهل شعبٍ يسعى للتعافي، محذرين من أن استمرار العقوبات قد يبدّد التقدم الذي تحقق بشق الأنفس.
وشددا على أن رفع العقوبات لا يخدم السوريين وحدهم، بل يصب أيضاً في مصلحة الولايات المتحدة، إذ يمكن لسوريا بعد عقود من التحالف مع خصوم واشنطن وتحولها إلى بؤرة لعدم الاستقرار والإرهاب أن تصبح عضواً فاعلاً في المجتمع الدولي.
وأشارا إلى أن إعادة إعمار ما دمرته الحرب لن تكون مهمة سهلة، فالتنظيمات الإرهابية مثل “داعش” والجهات الخارجية الخبيثة كإيران ستسعى لاستغلال أي فراغ لإعادة فرض سيطرتها.
وذكّرا بأن القيادة المركزية الأمريكية أعلنت قبل أسبوع مقتل ثلاثة أمريكيين على يد تنظيم «الدولة» في سوريا، ما يؤكد استمرار خطر التنظيم، الأمر الذي يستدعي جهوزية قوات الأمن السورية لمكافحة الإرهاب ومنع التدخلات الخارجية.
ولفتا إلى أن السوريين يواجهون تحديات جسيمة، من بنية تحتية منهارة، وأزمة غذاء، ونقص في الرعاية الطبية، ومخاطر الألغام والقنابل غير المنفجرة، فضلاً عن اقتصاد معزول عن العالم بسبب العقوبات، مؤكدين أن سوريا بحاجة إلى وعد حقيقي بمستقبل أفضل، وهو ما دفعهما (جمهوري وديمقراطي) إلى الدفاع عن إلغاء قانون قيصر».
غانم: سوريا تتخلص من عقوبات فرضت عليها قرابة نصف قرن
وجاء التصويت بعد إعلان الإدارة الأمريكية، الثلاثاء، في بيان صادر عن البيت الأبيض، عن توسيع قائمة الدول التي تُفرض قيوداً كاملة أو جزئية على السفر منها، لتشمل سوريا.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الشارقة والمختص بالنظم السياسية خلال المراحل الانتقالية من جامعة شيكاغو وائل ميرزا، في تصريح خاص لـ»القدس العربي» أن البعض قد يفهم للوهلة الأولى القرار الأخير بأنه متناقض مع سياسة الانفتاح الأمريكية على الإدارة السورية الجديدة، لكنه في الواقع يعكس منطقاً سياسياً أمريكياً شديد الاتساق إذا ما قُرئ من زاوية الأدوات لا الشعارات.
وبين أن السياسة الأمريكية تفصل بوضوح بين ملف الاقتصاد والعقوبات من جهة، وملف الهجرة والدخول من جهة أخرى، فرفع العقوبات أو تفكيك «قانون قيصر»، هو قرار يُدار بعقلية السياسة الخارجية التي تتمحور حول الاستقرار الإقليمي، وإعادة إدماج تدريجي، واختبار قابلية الدولة السورية الجديدة للحكم، وفتح المجال أمام الشركات والأسواق دون التزام أخلاقي أو سياسي كامل.
وتابع: أما منع الدخول فهو قرار يُدار بعقلية الأمن الداخلي، حيث لا تُقاس الدول بسلوك حكوماتها فقط، لأن هذا يعتبر شرطاً لازماً، ولكن غير كافٍ، لهذا، يُضاف للقياس، قدرتها التقنية والمؤسسية على تبادل المعلومات، والتدقيق الأمني، وضبط حركة الأفراد، وبهذا المعنى، تستطيع واشنطن أن تقول بلا حرج بأننا نخفف الضغط الاقتصادي عن سوريا كدولة ومسار، لكننا لا نثق بعد بالبيئة الأمنية التي تسمح بفتح باب الهجرة أو السفر.
رسالة مقصودة
واعتبر ميزرا، العائد أخيرا من الولايات المتحدة، بعد غربة استمرت لنحو 40 عاما، أن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن هذا الفصل ليس تفصيلاً تقنياً بقدر ما أنه رسالة سياسية مقصودة، فالاقتصاد في العقل الأمريكي أداة تغيير ناعم، بينما الهجرة ملف سيادي حساس يُستخدمُ للضبط، وليس للمكافأة، ولذلك، لا ترى الإدارة الأمريكية أي تناقض في تشجيع إعادة الإعمار أو الاستثمار المشروط، وفي الوقت نفسه الإبقاء على صورة «الدولة عالية المخاطر» عندما يتعلق الأمر بدخول الأفراد إلى أراضيها.
وأكد أن البعد الأهم في هذا القرار يتصل بكيفية إدارته داخلياً، فالإدارة الأمريكية كانت بحاجة إلى تفكيك التناقض أمام جمهورها الداخلي: كيف يمكن تبرير رفع العقوبات عن دولة شهدت قبل أيام هجوماً دموياً لتنظيم داعش؟ والجواب الذي قدّمته عملياً هو صيغة مزدوجة سهلة التسويق، فنحن نرفع العقوبات عن الدولة والمسار السياسي، لكننا نُشدّد على حركة الأفراد، وهكذا، بهذه الصيغة، تحوّلت حادثة تدمر من حدث أمني معزول إلى أداة خطابية تُستخدم لاحتواء أي اعتراض داخلي على الانفتاح الاقتصادي، ولتقديم الانفتاح بوصفه قراراً محسوباً لا مغامرةً أمنية.
غطاء أمام التيارات المتشددة
وقال ميرزا إن قرار منع الدخول، بالإضافة لكونه إجراءً وقائياً، أصبح جزءاً من حزمة سياسية متكاملة تمنح الإدارة غطاءً أمام التيارات المتشددة في الكونغرس والرأي العام، وتمنع خصومها من تصويرها كإدارة متساهلة أو ساذجة أمنياً، ذلك أن رفع العقوبات دون تشديد موازٍ في ملف الهجرة كان سيبدو، داخلياً، تناقضاً غير قابل للدفاع عنه، أما الجمع بين القرارين، فيُقدَّم كمعادلة توازن تجمع بين انفتاح اقتصادي محسوب يقابله تشددٌ سيادي صارم.
وفي المحصلة، ما يجري ليس تناقضاً في السياسات، إنه توزيع أدوار بين الأدوات، حيث يُستخدم الاقتصاد لإعادة إدخال سوريا إلى النظام الدولي بشروط، وتُستخدمُ الهجرة لطمأنة الداخل الأمريكي وضبط كلفة هذا الانفتاح سياسياً.
وخلص إلى القول إن الرسالة الأوضح للسوريين هي أن رفع العقوبات يمثّل بداية استعادة الثقة لا اكتمالها، وإن المجتمع الدولي بدأ يتعامل مع سوريا بوصفها مساراً قابلًا للبناء والتطوير، بدل أن تكون ملفاً مغلقاً أو معزولاً.
وختم بالقول: «صحيح أن الطريق لا يزال يُدار بمنطق الاختبار المرحلي، لكن هذا الاختبار نفسه هو اعتراف بإمكانية الانتقال إلى شراكة أوسع كلما ترسّخت مقومات الاستقرار والحوكمة، وهنا بالضبط يقع التحدي الداخلي المتمثل في أن يُقابل هذا الانفتاح بسياسات رشيدة، وضبط أمني فعّال، وخطاب سياسي مسؤول، بحيث لا يبقى رفع العقوبات حدثاً خارجياً عابراً، وإنما يتحول إلى مسار داخليٍ اقتصادي وسياسي تميزه الحوكمة الرشيدة بشكلٍ كامل.
طلاب من المتضررين
مصادر من غرفة تجارة دمشق استبعدت أن يترك القرار آثارا اقتصادية واضحة على طبيعة العلاقات المتوقعة بعد إزالة العقوبات والمباشرة بمسيرة التعاون الثنائي، على اعتبار أن القرار لا يضع سوريا ضمن الدول المحظورة زيارتها من قبل رعايا الولايات المتحدة، كما أن الكثير من السوريين ممن ينشطون اليوم أو لاحقا في علاقات اقتصادية مع الولايات المتحدة هم من حملة الجنسية الأمريكية ولن يترك القرار أي أثر عليهم، رغم أن حجم التبادل التجاري في أحسن أحواله لم يكن يتجاوز مبلغ 250 مليون دولار سنويا قبل عام 2011 ثم تراجع بشكل دراماتيكي إلى أقل من 13 مليون دولار عام 2024.
وبينت المصادر أن الرئيس الشرع وخلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن ولقائه بالرئيس ترامب تلقى وعودا بخفض الرسوم الجمركية الأمريكية على البضائع السورية المستوردة من سوريا من 41% إلى 10% . وفي المقابل فإن حملة تأشيرات الدخول بفئة أف 1 من الطلاب الدارسين في الجامعات الأمريكية سيتأثرون بالقرار الجديد.
ونصحت مصادر متابعة الطلاب المقيمين في الولايات المتحدة لهذا الغرض، بعدم المغادرة في محاولة لقضاء بعض الأيام إن في سوريا أو خارج الولايات المتحدة، إلى أن يتغير الوضع، لأنهم في هذه الحالة سيخسرون إقاماتهم ولن يتمكنوا من الدخول إلى أمريكا لاستكمال دراستهم، وهو الأمر الذي أعلنه أكثر من طالب عبر صفحاتهم الخاصة بعد صدور القرار الجديد.
- القدس العربي


























