بعد تقرير غولدستون، يأتي تقرير لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة بشأن "اسطول الحرية" ليدين اسرائيل باستخدام القوة المفرطة ضد الناشطين الاجانب ولا سيما الاتراك الذين كانوا على متن "مافي مرمرة"، وليطالب بملاحقات قضائية بحق المسؤولين عن الهجوم. وتنبع أهمية التقرير من كونه يمثل إدانة أخرى تصدرها جهة دولية ليس من السهل على اسرائيل ان تسوّق عنها فكرة الانحياز.
فتقرير غولدستون هزّ صورة اسرائيل في الخارج عقب حرب غزة وأرغمها على الايعاز الى ضباطها ومسؤولين آخرين بتجنب السفر كي لا يتعرضوا لملاحقات قضائية في دول يمكن ان ترفع فيها دعاوى ضدهم، كما ارغم التقرير اسرائيل على إجراء تحقيقات محدودة مع بعض العسكريين في محاولة لاحتواء التقرير الذي ربما كان الوثيقة الدولية الابرز التي تتهم الدولة العبرية بارتكاب جرائم حرب.
والملاحظ ايضاً ان التقرير يصدر عن مجلس حقوق الانسان، أي الجهة عينها التي كلفت القاضي ريتشارد غولدستون بالتحقيق في حرب غزة. وكما قوبل غولدستون بعدم التعاون من اسرائيل، فإن لجنة الخبراء التي ألفها المجلس جوبهت برفض اسرائيلي مماثل. وهذا يقود الى استنتاج مفاده بأنه في المنابر الدولية التي لا تتمتع فيها الولايات المتحدة بالنفوذ المهيمن، بالامكان التنديد باسرائيل وكشف جرائمها عكس ما هو حاصل في مجلس الامن حيث تمحض الولايات المتحدة تل ابيب حماية كاملة.
وحتى لو لم يتمخض تقرير لجنة الخبراء عن اجراءات فعلية بناء على الاستنتاجات التي توصل اليها، فلا شك في انه يشكل مزيداً من الضغط المعنوي على اسرائيل في وقت لا تبدو صورتها في الخارج مثلما كانت عليه في الماضي. إذ ان هناك تراكماً في المواقف الصادرة عن مؤسسات ومنظمات اجتماعية وحقوقية في العالم بمقاطعة مؤسسات اسرائيلية، وحتى في بلدان معروف عنها تأييدها القوي لاسرائيل. ولا يمكن إلا التوقف مثلاً عند قرار البلديات الهولندية برفض استقبال وفد من بلديات اسرائيلية بسبب شموله اعضاء من مجالس البلديات في مستوطنات الضفة الغربية.
كما ان العديد من الجامعات والنقابات الاوروبية تقاطع مثيلاتها في اسرائيل من باب الضغط المعنوي، فضلاً عن المقاطعة الاوروبية لمنتجات المستوطنات. وهذه خطوات على محدودية مفعولها، لم يكن أحد ليتجرأ على الإقدام عليها قبل أعوام عندما كان الرأي العام الغربي كله مجيشاً لمصلحة اسرائيل.
ولا شك في ان اسرائيل تضيق ذرعاً بالمسيرات الاسبوعية التي تنظم أمام جدار الفصل في عدد من قرى الضفة الغربية بمشاركة متضامنين دوليين. ومن مظاهر الضيق الاسرائيلي بهذه المسيرات اجراءات الطرد والملاحقة بحق عدد من الناشطين الاجانب، وفرض قيود على السماح لهم بدخول اسرائيل او الاراضي الفلسطينية.
ولم تخفِ اسرائيل تبرمها من الحملة الفلسطينية التي قادها رئيس الوزراء سلام فياض لمقاطعة منتجات المستوطنات، فضلاً عن قرار السلطة الفلسطينية عدم السماح للعمال الفلسطينيين بالعمل في المستوطنات اعتباراً من مطلع السنة المقبلة.
وبطبيعة الحال، كان يمكن ان تظهر صورة اسرائيل على حقيقتها في العالم، لولا الحماية الاميركية التي تمنع التمادي في نقل حقيقة الممارسات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة. وما بدأ يتكشف في التحقيقات الدولية عن هذه الممارسات ليس سوى رأس جبل الجليد.
وما تخفيف الحصار عن قطاع غزة سوى محاولة لاخفاء معالم جريمة انسانية كبرى ترتكب بحق 1,5 مليون من الفلسطينيين أمام سمع العالم وبصره. وأتى الهجوم الدامي على اسطول الحرية ليظهر صورة اسرائيل على حقيقتها. وبعد ذلك أرادت الحكومة الاسرائيلية ان تخفي بشاعة جريمتها عبر تأليف لجان تحقيق شكلية مهمتها تجنب الادانة الدولية.
بيد ان تقرير لجنة الخبراء التي ألفها مجلس حقوق الانسان، كما تقرير غولدستون يقدمان أبلغ شهادة على جرائم اسرائيل.
"النهار"



















