عندما تدعو افتتاحية إحدى كبريات الصحف الإسرائيلية – يديعوت أحرنوت – إلى إسقاط حكم الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" في الضفة، لأن في ذلك مصلحة قصوى لإسرائيل، وعندما يفند كاتب هذه الافتتاحية جي بوخر تلك المصلحة بالقول: – أن أبو مازن يسعى إلى إغراق إسرائيل بمئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، ونقل القدس الشرقية والبلدة القديمة إلى يديه، وإعادة كل الأراضي التي احتلت عام 1967 م إلى سيطرته مقابل إبرام اتفاقية سلام مع إسرائيل.
ويذهب كاتب المقال إلى أبعد من ذلك، حينما يفترض أن سيطرة حركة حماس على الضفة بعد إسقاط حكم أبو مازن وذلك عن طريق انسحاب إسرائيلي أحادي الجانب من أجزاء واسعة من الضفة (على غرار نموذج غزة) سيكون أقل ضررا على إسرائيل من وجود "محمود عباس" على رأس السلطة الفلسطينية، وذلك لأن العالم ينظر إلى السلطة على أنها الطرف الخير وشريك في عملية السلام – وهي لم تتوقف لحظة عن التحريض والمس بإسرائيل -، بينما حركة حماس ينظر العالم لها على إنها الطرف الشرير، وبالتالي فإن ضربها ومحاصرتها سيكون أسهل، كما أن المجتمع الدولي سيتوقف عن الضغط على إسرائيل من أجل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، لأنه حينها لن يعترف بشرعية حكم حماس في الضفة والقطاع (جي بوخر).
ولكن هل بالفعل هناك مصلحة إسرائيلية إستراتيجية في عدم وجود دولة فلسطينية واحدة وسلطة واحدة؟؟ أو أن تكون هناك دويلات موزعة بين الضفة والقطاع برؤوس واذرع متنوعة؟؟.
قد تكون هناك مصلحة مؤقتة لإسرائيل في عدم وجود دولة موحدة ومستقرة ولكن ليس لوقت طويل، إذ أن وجود دويلات بسلطات مختلفة أكثر خطرا على إسرائيل من الدولة الواحدة وخصوصا في عصر التكنولوجيا وتدفق الأسلحة المتطورة التي لم تعد حكرا على بلد ما وفي زمن التحالفات الإقليمية. وإسرائيل تدرك هذه الحقيقة ولكنها تعيش حالة من التكاذب والتعامي مدفوعة بغطرسة القوة وحدود الواقع الراهن.
وحتى مع انطلاق جولات المفاوضات المباشرة، فإن إسرائيل تصر على معاودة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة أواخر الشهر الحالي مما يهدد بنسف عملية السلام في المنطقة. ويتساءل عضو لجنة فتح المركزية محمد دحلان في حديث صحفي معه: "كيف يمكن ان يفسر لنا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنياميين نتاياهو انه جمّد الاستيطان أثناء توقف المفاوضات، وانه يريد استئنافه حينما تعود المفاوضات، والتفسير الوحيد لذلك هو استهتار نتاياهو بالمجتمع الدولي والإدارة الأميركية".
وليس صحيحا أن نتاياهو مكبل بحكومته اليمينية المتطرفة التي تدفعه إلى مواصلة الاستيطان إذ أنه "لا يميني على يمين نتانياهو" هكذا يردد رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير د. صائب عريقات. ولو كان الأمر عكس ذلك لعمل على تفكيك ائتلافه الحاكم والدخول في حكومة وحدة مع حزب كاديما التي تتزعمه تسيبي ليفني برعاية ومباركة أميركية.
ويجزم المسؤولون الفلسطينيون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يتمتع بقوة سياسية كبيرة تمكنه من صنع السلام -وهو أقوى من "مناحيم بيغن" – ولكنه لا يريد ولا يرغب في ذلك، لأن نظرته السياسية والإيديولوجية تقوم على فكرة أن الشعب الفلسطيني لا يستحق الحياة ولا يستحق الدولة.
ولقد كان الرئيس الفلسطيني حازما في كل جولات الحوار التي جرت مع الإدارة الأميركية مطلع شهر أيلول وجدد رفضه المطلق الإقرار بيهودية إسرائيل لأنه يرى أن الدولة العبرية تسعى إلى تصفية الوجود الفلسطيني داخل أراضي 48 عبر طاولة المفاوضات. ومن هنا جاء تكليف "أبو مازن" لعضو اللجنة المركزية لحركة فتح د. نبيل شعث للذهاب إلى أهالي يافا وعكا والجليل والمثلث لينقل لهم موقف القيادة الفلسطينية الحاسم من تلك القضية وليؤكد لهم: "أنهم الزيتونة والسنديانة والضلع الثالث في مكونات الشعب الفلسطيني".
ونخلص إلى أن إسرائيل تسعى عبر صحفها وقنواتها الإعلامية إلى الضغط على المفاوض الفلسطيني وترهيبه، والإيحاء له أنه لا فرصه لديه سوى الاتفاق معها على طريقتها، والاستسلام لشروطها من أجل ضمان بقائه وإستمراره في السلطة وإلا خسر كل شيء افتتاحية أحرنوت كما أن إسرائيل تسعى إلى تفجير المفاوضات الفعلية قبل أن تبدأ: مرة بالإصرار على معاودة الاستيطان وتارة بطرح شرط الاعتراف بيهودية إسرائيل وصولا إلى التخلص من فلسطيني 48 في إطار ما تقترحه إسرائيل من تبادل للسكان وكل ذلك لأنه حتى الآن ليس هناك قرار إسرائيلي إستراتيجي بتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
"المستقبل"




















